من أقاصي الأرض....حيثُ درجة الحرارة هُنا تُشبه القطب الجنوبي المُتجَمد...مَازِلتُ أَحيا...تَسأَلُني كَيف؟!....لأن هذا المُوسم وهذه الطاقة هم أجوائي المُفضلة مِن كُلِ عام....لا يَهُمُني عدم وصول الدم إلى أطرافي العلوية والسُفلية...ولا يَهُمُني ذلك الصقيع المؤذي لِدورَتي الدَموية....يكفيني فنجانَ قهوةٍ بُندُقية...ورائحة المَطر وصوت زخات المطر على نافذتي الشَرقية...ولحافٌ أتلحفُ بِه....وكاسيت قديم يَصدح بصوت الست"أنت عُمري اللي ابتدى بنورَك صباحُه...أنت...أنت...أنت...عُمري"...ويَدٌ بيضاء فاقدة للحياة تَصرُخ من البُرُودة....وقلَمُ حِبرٍ أَحمَر يَنبُضُ بالحياة،لِينقلَ لَكَ حُبي...وَورقَةٌ مُصفَرةٌ من زَمنِ المَراسيل....وَأريكَةٌ عَتيقَةٌ من عَصرٍ عفا عليه الزَمن....أجلِسُ عَليها لِأَكتُبُ إليك وَأُخبِرُكَ....ماذا حَدث بعدَ رحيلِ الشمس؟!....أَصبح الجميع يركضون ويختبئون ويتسلحُون بِأسلِحَةِ الدفء....أَصبحت أدوارُ البردِ تَزُورُني أكثر من أصواتِ المَطَر وأَماشيرِ الرياح....أَصبحت الأدوية رَفيقَتي في هَذه الرحلة....وَلِتعلم لَستُ أَشكُو ولا أتَضَجر....وَلكنَني وَلِلحَقيقَة....أَختَلِقُ أعذاراً لِأُطيلُ الحديثَ مَعَك...فَعندَما أَكتُبُ إليك...أَنسى صَوتُ الوِحدة...وَهُدوءُ الصَمت...وَمرَارَةُ الأيام بِدُونِ طَيفَك....لا تَحزن...فأنا أَحيا بِمُرَاسَلَتِك....لا تسألُني عن العُمرِ...فالعُمرُ وَقتٌ ضائِعٌ....عامٌ مَضى...عامانِ...عَشر....لَستُ أعرِفُ كم مَضى....فالعمرُ في قَدَمِ الرياح...والجُرحُ يَنزِفُ بالجِراح...والليلُ يَلتَهِمُ الصباح...ولأن عُمري صار بيتاً من بيوتِ العنكبوت....وآهٍ لو تدري بأنَّ أهون البيوتِ لَبيتُ العَنكَبُوت...وَبرُغمِ مَوتِ الأرض أرفُضُ أن أَمُوت....فمازِلتُ أشتاقُ كالأطفالِ أَلهو...ثُمَ أَشعُرُ بالدوار....ومازلتُ أحمل الذكرى على صدري أملاً لا يموت...كلما اختنقَ النهار....وَأشتاقُ عِطرَكَ كُلَما عادت مع الليلِ الهُمومْ....ومازلتُ أحلُمُ أَنْ أَقُوم...وَلكن سنابلُ الأحلامِ في يأسٍ تَمُوتْ....أَلمَحُ شَبحَها كُلَ لَيلَةٍ يَركُضُ في البيوتْ....وَنظرتُ في المرآةِ في صَمتٍ حَزينْ....فَصُعِقتُ من ذاكَ الأنينْ...فالعُمرُ رَسمَ في تُرابِ وَجهي أحزانَ السنينْ....فَباغتنِي الحنين....لِأيامٍ كُنتُ فيها طِفلَةً بِضفائرٍ صغيرَةٍ تُغزَلُ شَرائِطُها في الوَتين...أصبحتُ بعدَكَ كالعجُوز تُرَدِدُ الكَلمات....أَمضُغُها وأنساها وآكُلُها....وأُدرِكُ أن شيئاً لا يُقال....فما عُدتُ أعبأ بالكلام....فالنَّاس ياعُمري لو تَعلَم يَعرِفُونَ ما يُقال...ولو تَدري أنَّ كُلُّ الذي عِندي....كلامٌ لا يُقال....فماذا أَقول؟!...تَتزاحمُ الرعشاتُ بين أصابعي...ويَصيحُ في صدري البُكاء.....كُلُّ شيءٍ صارَ بَعدَكَ صامتاً...والبيتُ أصبحَ خالياً....والقلبُ يَسقُطُ هاوياً....تُرى هل تراه ؟!...فَلقَد رَكضتُ وركَضتُ...أبحثُ عَنهُ....فجاءني كَليم....قد بَلغَ مُنتهاه...فماذا فَعلتَ أنت حتى تُعيدَ لَهُ الحياهْ؟!..فهل من حياه؟!!..وهَل يا تُرى يُشفىٰ عَليلٌ مِن عَليلْ؟!!....فماذا تَقولُ عَن الرَحيلْ؟!....ماذا تَقولُ عَن الرَحيلْ؟!