الخراب في كلّ مكان، يحيط بي من كلّ جانب. هنا كان بيتي، وهناك بيت صديقي، وهذا المكان كنّا نلعب فيه، وتلك كانت مدرستنا. أين ذهب كلّ ذلك؟ لقد استحوذ الدمار على كلّ شيء فاختفت معالم الأماكن، ولم أعد أميّز بيتي من مدرستي، ولا من بيوت بقيّة الأطفال. قلبي مُدمَّر، فقد شهدتُ استشهاد أحبّتي وأصدقائي. كطفلٍ في مثل عمري لم يكن يجب أن أعرف معنى كلمة استشهاد أو دمار أو خراب، ولكن اغتصاب أرضي وسلب حريّتي وتدمير طفولتي جعلني أدرك كلّ هذه المعاني. أنا طفلٌ مسلوب الطفولة، طفلٌ كَبِرَ قبل أوانه.
ركضتُ أبحث عن مأوى أحتمي به من أصوات الانفجارات، ومن صراخٍ وعويلٍ ورصاصٍ يمزّق آذاننا. كلّ الأماكن تُخيفني. أريد حضنًا أحتمي فيه من ويلات كلّ ذلك، أريد الأمان… الأمان الذي سلبوه منّا. عشنا حياةً بلا ملامح، لا نعلم: هل سيكون لنا مستقبل، أم سنكون مثل من سبقونا تحت الأنقاض… شهداء.
أقبلت عليّ حبيبة، تلك الصغيرة التي فقدت عائلتها كلّها. كان شعرها الأشقر قد أصبح رماديًّا، وعيناها الزرقاوان اللتان كانتا تلمعان أصبحتا غائرتين منطفئتين يحيط بهما السواد. أمّا بشرتها البيضاء المفعمة بالحيوية فقد غدت شاحبة جافّة كالموتى. أصبحنا موتى نسير على الأرض، ننتظر منيتنا الحقيقية.
ـ صالح، أين ذهبت؟ لقد كنت خائفةً بدونك!
ـ كنتُ أبحث لنا عن مأوى يحمينا من برد الشتاء القارس.
ـ وهل وجدتَ شيئًا؟
ـ وجدتُ المزيد من الركام والحطام… الكثير من الجثث وبقايا الأطفال.
ـ تعالَ نحتمي بسدّ الحائط، لعلّه يكون لنا ساترًا وأمانًا.
ـ وإن قذفوه؟
ـ لن نشعر بشيء وقتها… فسنكون قد رحلنا مع من رحلوا.
سرتُ معها، ممسكين بأيدي بعضنا البعض بقوّة، وكأنّ تركنا ليدي بعضنا سيفقدنا أنفسنا. احتمينا بسدّ الحائط، وأسندت رأسها على كتفي، ثم أغمضنا أعيننا… ولم نشعر بشيء.






































