فتح باب الغرفة ودلف مبتسماً بحنان، ثم اقترب من الفراش وقبَّل رأسها وهي نائمة، ففتحت عينيها ونظرت إليه بوهن وابتسمت بخفوت. رفع عنها الغطاء وأضاء الضوء الخافت بجوارها، ثم جلس على الفراش وقام بإسنادها ومساعدتها حتى جلست. وضع وسادة خلفها، ثم وقف سريعاً وجلب خُفَّها ووضعه بجوار الفراش، ثم وقف إلى جوارها وحملها ليوقفها عن الفراش، ثم أسندها عليه بعدما رتَّب ثيابها، وتحرك بها متوجهان نحو المرحاض، وهو يحثها على السير والمقاومة ويتغزّل بجمالها الذي افترسه المرض.
بعد مدة من الوقت، كان يجلس بجوارها على الفراش، وهو يطعمها بيده وكأنها طفلته الصغيرة أمامه، ولم تفارق الابتسامة شفتيه أبداً. كان خير سندٍ وعونٍ لها في لحظات ضعفها وهوانها، وكان السند الحق، لا بالكلمات ولا بالمقالات، وإنما بالأفعال.
مضى العام بحلوه ومرّه، من مراجعات طبية إلى جلسات علاجية، فانتكاسة فعودة، ثم تعب فراحة. وهكذا، لم يملّ أو يكلّ، ولم يعبس يوماً في وجهها، كان دوماً مبتسماً لها بحب.
بعد مرور الأعوام، وفي إحدى قاعات الاجتماعات الضخمة، كانت جموع الناس تصطف على جانبي القاعة، وفي المنتصف كانت هناك المنصة في الأمام وطاولة كبيرة جلس خلفها كبار المحاضرين والعلماء.
وقفت هي بكامل أناقتها وجمالها الذي عاد إليها عند المنصة، وكانت ترتدي قلنسوة التخرج المعروفة فوق رأسها. نظرت نحو الجموع مبتسمة بتوتر وقلق، حتى لمحته يقف هناك على الجانب ممسكاً بآلة التصوير خاصته، يصوّرها مبتسماً بفخر أبٍ بابنته، وبين اللحظة والأخرى كان يشير لأحد الجالسين بجواره نحوها، ثم يشير إلى دبلته التي تزين إصبعه في اليد اليسرى.
شعرت بالقوة التي دوماً منحها لها بابتسامته المحبة وتصرفاته الحنونة، ثم نظرت بثقة أمامها وبدأت بالتحدث.
«اليوم أحببتُ أن أُهدي نجاحي وتفوّقي لشخصٍ يستحقّه. في هذا اليوم، هذه القلادة وهذا الوسام لا أستحقه أنا، بل يستحقهما هذا الرجل الواقف هناك بفخرٍ وسعادةٍ فاقت سعادتي. هذا الرجل الذي وقف بجواري في أحلك أوقاتي، وكان عكّازي حين لم تقوَ قدماي على التحرك، ومرآتي حين كنت أرى نفسي بشعة، وكان حاضراً حتى في أحلامي يحققها لي.
هذا الرجل هو من تعب حتى وصلنا إلى هنا، ولم يملّ ولم ييأس، حتى حين تملّكني اليأس... ظلّ هو يشجّعني. هذا الرجل زوجي وحبيبي وصديقي ورفيق دربي، عكّازي وسندي، أملي… ماضيَّ وحاضري ومستقبلي. قال هنري ديفيس ضع قلبك في المكان الذي يليق به. واليوم، وبكل فخرٍ وحب، أضع قلبي بين يديه، ولا يوجد مكان يليق بقلبي سواه».






































