عندما يرتكب أحدنا معصية ما في حق نفسه، تظل هذه المعصية ترافقه، ترهقه ندمًا، متلمسًا الطريق إلى غفران الله.
الضمير، والإنسانية، والندم، مسبوقة جميعًا بالخوف من الله، هي أمور تقف حائلًا في كثير من الأحيان دون ارتكاب المعاصي في حق النفس.
وعند ارتكاب معصية، يصبح هاجس عدم اللحاق بغفران الله مسألة موت أو حياة.
فما بالك بالجرائم في حق الغير؟! وماذا لو لم يسامحك هذا "الغير" الذي أضررت به؟! هذه أمور عصيبة، التفكير فيها قد يدخلك قسم القلب أو جناح الكورونا في أقرب مستشفى، لو تعلم.
لنرفع المستوى إلى الحد الأقصى، ونتساءل: ما بالكم بإزهاق الأرواح؟
أذكر أني قابلت يومًا شخصًا كان يُصلح سيارته عند أحد ورش إصلاح البدن (ورش السمكرة)، وأثناء النقاش علمت أن سبب الانبعاج الشديد في مقدمة سيارته هو حادث تصادم مع شخص كان يعبر الطريق، وقد مات هذا الشخص من أثر التصادم.
أذكر جيدًا أني كنت دائمًا أتساءل بيني وبين نفسي: كيف يعيش هذا الرجل بينه وبين نفسه وهو قاتل؟! وكيف يتعامل مع الموقف بكل هذه الأريحية؟!
هو طبعًا لم يقتل عمدًا، وإنما هو مجرد حادث، حتى إن الشرطة برأته لأنه لم يكن مخطئًا. ومع ذلك، كان الأمر "ثقيلاً" بالنسبة لي، ولا أتمنى يومًا أن أكون مكان شخص أزهق روحًا، حتى ولو بالخطأ، إلا دفاعًا عن النفس أو الوطن. ونسأل الله الستر والستر ثم العافية.
عندما حدثت مجازر غزة على يد الخنازير الزرق بقيادة "النتن"، كنت دائمًا أتساءل مفكرًا: كيف ينام "النتن" ليلًا، وقواته تقتل آلاف الأطفال والنساء والعُزَّل؟!
سؤال من النوع الرومانسي والساذج والمضحك، لكنه يؤرقني لعدم توفر الإجابة الدقيقة: كيف ينام القاتل ليلًا؟
وعلى سبيل المبرر الساذج، فإن التعصب الديني جعل المتوحش "النتن" يعتقد أنه بذلك يحمي أرض الميعاد، ويتقرب إلى الله زلفى بدماء الأطفال والنساء والمدنيين العزل!
طيب... ماذا عن الإنسانية؟ الرحمة؟ الشفقة؟ أو أي نوع من هذه المعاني المندثرة؟!
يا أخي، كفَّ عن هذه الأسئلة الساذجة.
أتخيل نفسي، لو أتيحت لي يومًا ما فرصة عظيمة من الله لقتال الخنازير الزرق، فلن أمسَّ أبدًا طفلًا أو امرأة أو أعزلًا، وسأسبي طبعًا كل الشابات اللاتي تقل أعمارهن عن 90 عامًا، في إطار تعليمات القيادة المنظمة لهذا الشأن 😎
ليس فقط لأنني إنسان، ولكن لأن تعليمات ووصايا نبينا المعظم محمد ﷺ إلى قادة جيوش المسلمين تأمرنا بأن لا نقتل طفلًا ولا امرأة ولا أعزلًا ولا شيخًا، ولا حتى أن نخلع شجرة.
ألم يسمع "دقلو" المسلم عن هذه الوصايا؟!
قوات المنشق "محمد دقلو" (خسارة فيه اسم نبينا) قتلت آلاف الأطفال والرجال والنساء العزل في مدينة الفاشر السودانية، بدم بارد، وكأنهم جرذان أو طابور من الصراصير، في امتدادٍ لسلسلة متوحشي البشر في العصر الحديث بعد زعماء صرب البوسنة والخنازير الزرق.
إذا اعتبرنا جدلًا، وكباطلٍ يُراد به حق، أن "النتن" يدافع عن وجودية دولته الشاذة والطارئة، ويعتقد أنه يتقرب إلى الله بسفك دماء الفلسطينيين، فما هو مبرر ذلك المتوحش الذي يقود "الجنجويد" في السودان؟!
عن ماذا يدافع هذا المدعو "دقلو"؟! وعن أي قضية وجودية يقاتل؟! وماذا سيقول لله عندما يسأله عن الدماء التي سُفكت في الفاشر، وقبلها وقبلها؟!
أذكر أني منذ سنوات، أيام موجة التطرف التي تلت ثورة يناير، قابلت شخصًا داعشيًا مقبوضًا عليه، فسألته سؤالًا ساذجًا: ما شعورك عندما تذبح شخصًا من رقبته؟
فرد ببساطة: أصعب مرة هي أول مرة، ثم يصبح الأمر كما لو كنت تذبح دجاجة!!
تركيبة نفسية فريدة، تلك التي خلقنا الله عليها؛ تظل الأمور كلها صعبة وغير مستساغة إلى أن تجربها، فيصبح الأمر اعتياديًا، ويقوم الضمير بضبط إعداداته تلقائيًا لتجاهل وإخماد أي إحساس مستقبلي بالندم.
إلا الذين أكرمهم الله بنعمة "المقاومة" والعودة، ولن أقول "عدم ارتكاب المعاصي"، لأن البشر خُلقوا لارتكاب المعاصي. المهم: العودة والتوبة قبل الاعتياد، وخير الخطّائين التوابون.
أما أولئك الذين اعتادوا وماتت قلوبهم، كالنتن وآله جميعًا، والسوداني دقلو، ومن قبلهم مجرمو صرب البوسنة المتوحشون "راتكو ملاديتش" و"رادوفان كراديتش"، مغول هذا العصر، فلا أعرف كيف ينامون في الدنيا؟! وكيف سيُعرضون في الآخرة؟!
المفارقة أن نماذج مغول هذا العصر ينتمون إلى الأديان السماوية الثلاثة: يهودي ومسيحي ومسلم! في دلالةٍ أن الأديان برومانسيتها في وادٍ، والتوحش البشري في وادٍ آخر.
بعيدًا عن كآبة هذا المقال، أريد أن أختتم بشيء تذكرته حول هوايتي الدائمة في أن أسأل أسئلة ساذجة ليست لها محل من الإعراب.
منذ سنوات طويلة كنت أدرس الماجستير، واحتجت إلى استشارة من أحد المعيدين في إحدى كليات الخدمة الاجتماعية في جمهورية مدغشقر اللاتينية، ليساعدني في برمجة كود ما لبرنامج "ماتلاب"، وهو برنامج شهير يعرفه المهندسون ويُستخدم على نطاق واسع.
المهم أن معيد كلية الحقوق أعطاني موعدًا في أحد مقاهي ساحل أسيوط على البحر الأحمر 😎
ذهبت إلى المقهى، فوجدته جالسًا مع بعض الشابات المرهقين من سحب أنفاس الشيشة، فقلت في نفسي – وأنا الذي لا أدخن أصلًا – يبدو أن جيل المهندسات القادم جيل "متحضر بقوة ما شاء الله"، على اعتبار أن الجلسة جلسة علمية! 😀
ألقيت السلام على المعيد المهندس، ودعاني للجلوس وسط الشابات الثلاث، والمفترض أنهن مهندسات جئن ليتعلمن "الماتلاب" مثلي، رغم ملاحظتي أنه لا أثر لوجود أجهزة لابتوب أو أقلام أو أي شيء يدل على "علمية" هذه الجلسة المقدسة.
وبكل سذاجة الدنيا، سألت إحداهن: حضرتك في هندسة إيه؟
وأمام الضحكة "الغير هندسية" بالمرة، التقطت قرون استشعاري – متأخرًا جدًا – عدم براءة مجلسنا الموقر. المهم، انصرفت فتاتان مع شابين أقبلا علينا فجأة، وظلت شابة واحدة، واعتذر المهندس لي بأنه لن يشرح لي اليوم، ودعاني للاستمتاع!!
ولأن أجهزة راداراتي بطيئة، فلم أفهم تحديدًا ما يقصده "بالاستمتاع"، وظننت أنه يقصد أنها فرصة جيدة بأن أجلس مع شابة جميلة ونتبادل الحديث "العلمي"، فقلت: ولِمَ لا؟
ثم دار هذا الحديث:
أهلاً وسهلاً سيدتي.
= سيدتك إيه؟! أنجز.
أنجز إيه يا فندم؟ تحبي تشربي إيه؟
= أشرب؟!!! أنا لسه هشرب؟! وهنشرب هنا؟!!
تحبي نروح كافيه تاني؟!
= كافيه تاني؟!!! إنت هتستعبط؟!
يا فندم، مفيش مهندسة تتكلم بالسوقية دي.
= إنت لسه شفت سوقية؟! يلا قوم نروح البيت، والدفع مقدمًا.
أفندم؟! بيت إيه؟! بيت مين؟! ودفع إيه بالضبط؟!
= أمال إنت جاي ليه هنا؟!
جاي أتعلم ماتلاب يا فندم.
= إيه يا عيني؟! هتضيع عليا الليلة ولا إيه؟!
ثم أمسكت هاتفها واتصلت بالمهندس بعصبية، صارخة فيه:
= مين هذا الشخص؟! بقوله نروح بيت، يقولي ماتلاب!!
ثم أعطتني الهاتف لأتحدث إلى المعيد، الذي قال لي هامسًا:
الشابة اللي قدامك عاهرة، لو مالكش في الصنف امشي.
وهنا تجمدت الدماء في العروق، فلأول مرة أتشرف بمقابلة عاهرة وجهًا لوجه.
انتهت المكالمة، وساد الصمت، فبادرت لكسره قائلًا:
معالي العاهرة الفاضلة، بما أني لست الزبون المحتمل، ما رأيك لو تتنازلين من باب الاستراحة من مشقة العمل، ونتبادل الحديث؟
رمقتني بنظرة غضب مكتوم، ثم قالت:
= بما إنك "ما بتعرفش" و"ملكش" في الموضوع، نتكلم... عايز تقول إيه؟
فجهزت نفسي لسيلٍ من الأسئلة الساذجة العميقة، منها:
ما الذي دفعك إلى هذا العمل الشريف المرهق؟
لماذا لا تتوبين؟
حاولي أن تغيري النشاط إلى الخياطة مثلًا؟
ما رأي أهلك فيما تقومين به، سيدتي معالي العاهرة الفاضلة؟
وهكذا...
أظنها انتحرت.
أيمن موسي أحمد موسي
د. عبد الوهاب المتولي بدر
نجلاء محمود عبد الرحمن عوض البحيري
رهام يوسف معلا
هند حمدي عبد الكريم السيد
يوستينا الفي قلادة برسوم
ياسمين أحمد محمد فتحي رحمي
فيرا زولوتاريفا
حنان صلاح الدين محمد أبو العنين
د. نهله عبد الحكم احمد عبد الباقي
ياسر محمود سلمي
زينب حمدي
د. شيماء أحمد عمارة
د. نهى فؤاد محمد رشاد
فيروز أكرم القطلبي 

































