"وإنت السبب يابا" وفي نبض آخر :"إنتِ السبب يا نوارة"
"وهكذا فهو يرى أن المسلك العام للاتجاه الشعبي هو أمر إلهي، وأن الحس الجمعي للمصريين يأتي بالإلهام وأنه حين يصمت أو يصبر فهو أمر إلهي، وحين يثور فهو أمر إلهي"
"أبي ينتمي نظريا إلى عزوة، لكنه رأى أنها خذلته فاتخذ من الناس في العموم عزوة"
"لقد تقمصتُ أمل ومن مثلها لشعوري بالذنب. كيف أحيا وأعيش وأستمتع بحياتي وهناك نساء تعلقن من أرجلهن كالذبائح وتعرضن للتعذيب أيا كانت الأسباب؟ وكيف لي أن أكفر عن ذنبي إلا بأن أكون أنا هن؟"
"فإن كل مرويات التاريخ، بمعنى كلها، هي انطباعات ومشاعر راويها، وليس ما حدث واقعًا"
"نحترم التجربة الإنسانية أيًا كانت. فالإنسان في حد ذاته، فردًا كان أو مجموعة، مخلوق جميل، مكافح، معذب، متفرد بين زملائه من الثدييات والفقريات والحيوانات بشكل عام."
*******************
هذه السطور وعشرات الاقتباسات غيرها كنت ألهث وارءها وأنا أتأمل معانيها، ظننتُ في بداية القراءة أن نوارة نجم تكتب مروية ذاتية؛ تتصالح فيها مع بعض العذابات الشخصية التي تخصها هي فقط ، أو ربما تخص غيرها، لكنها بالتأكيد لا تتماهى مع الأغلبية. لأجد أنها وسط الحكايات -المؤنسة بقدر ما هي مؤلمة- ترسم خريطة إنسانية للتصالح مع الكون كله، تؤرخ ضمنها تأريخا حقيقيا لهوية المصريين التي أصبحت الآن حقلا خصبًا يقطف منه -باستسهال- كل من لا يجد ما يقوله!
قصائد الفاجومي التي استهلت بها نوارة مطلع كل فصل؛ كانت بوحًا لايقل في إفصاحه عن بوحها.. أو ربما كانت نداء؟.. أملا؟.. أو ربما وعدًا؟
قرأت الكتاب في جلسة واحدة، امتلأتُ بالدموع بقدر ما قرقعتُ بالضحك، سافرتُ معها للعراق، وعدتُ برفقتها إلى مصر حاملة غربة فوق غربة، زرتُ معها الفاجومي في السجن، واعتُقِلت معها وشعرت برضوض اعتداء الأمن عليها، وجلست معها بينما تحادثها أستاذتها/نا رضوى عاشور، تنقلتُ معها بين المواقف والمواجع والتقلبات والمراجعات، حتى الأحلام التي نقل عبرها مراسيل الروح رسائل أحمد فؤاد نجم لها كنتُ أعيشها أيضا وأراه معهم.
وكأنها كانت تحكي قصتها/ قصته/قصتنا وهي تفعل بقلوبنا مثل ما فعل والدها بها (بابا إدو) فتبكي/ فنبكي ثم يدغدغها فتضحك/فنضحك!
سمعت ما بين السطور من أنين مكظوم، بقدر ما صرختْ في وجهنا أحيانا، أتخيل كم كان صعبًا هذا التشريط في جراح لازال بعضها ينزف، لكني أمتن حد السماء أن كل هذه "الحكاية الطويلة جاوي جاوي" والنابضة حبًا وألمًا (جاوي جاوي) كانت كالمَهر الغالي الذي دفعه الفاجومي -دفاعا عن اعتقاده- بمنتهى الرضا! كانت الكنز الذي لم يتبق من حراسه سوى نوارة الانتصار.. نوارة نجم التي انتصرت في مرويتها للكشف والبوح والصفح والقرب رغم كل حجاب وقيد وألم وبُعد!
وسأختم بآخر قصيدة في الكتاب للفاجومي "الجدع" الذي أدعو الله مثل الشيخ أن:"ربنا يجعلنا من بركاته":
"الحق عجوز وقديم و يغر
لكن ما يموتش وله طلاب
والثار قنطار
فوق كتف الحر
والصبر ف وقت البلوة عذاب
والعزم صديق في الوقت المر
ولا غير العزم
تلاقي اصحاب
والأرض براح
وان داسها الذل
تضيق بالناس
والخضرة تموت
ويعربد فيها البوم أجناس
ولا تبقى حياة
ولا يبقى نظام
ولا خطوة تسير بالناس قدام
ولا تعرف بكرة حيجي ب أيه
ولا تفهم معنى لأي كلام
ونلف نلف
وبرضه نقول
الحرب سجال
داير على طول
والسكة أمل
والنية عمل
والجهد حياة
والراحة شلل
يا زنود الناس الشغالة
ملعونة الراحة
ف خط النار
النصر عروسة يا رجالة
لكن ممهورة
بالاصرار "