بسبب سفرنا ما درستش تاريخ مصر في المدرسة بالشكل المقرر في المناهج.. لذلك ماكنش عندي وأنا طالبة إدراك أو تصور للعلاقة التاريخية المركبة بين مصر والسودان.. بس كنت بالحس الفطري باعتبر إن السودانيين هم أقرب الشعوب للمصريين.. يعني كنت باقول إن فيه شعوب عربية بتشبه بعض -أكتر من غيرها- في الروح واللهجات والعادات.. مثلا شعوب دول الخليج أقرب لبعض.. وشعوب دول الشام بينهم قواسم كتير مشتركة.. وأهل المغرب العربي برضه فيه حاجات كتير بتجمعهم.. وبالنسبة لي مصر والسودان هم الأقرب لبعض في الروح....
من أقرب أصدقائي في المرحلة الثانوية كانت ريهام صديقتي السودانية الجميلة، ذات القسمات المليحة.. والقوام الرشيق، والضحكة الجذابة.. سرعة بديهتها وخفة ظلها كانوا بيخطفوا قلبي... بعد رجوعي مصر -وفي خضم محاولات التأقلم مع غربة من نوع جديد- اكتشفت إني للأسف فقدت الورقة اللي كانت كاتبالي فيها طرق التراسل معاها بعد ما أستقر وأعرف جامعتي وعنوان إقامتي في مصر... ماكنش عندنا وقتها موبايلات ولا فيسبوك.. لذلك كان تذكر البيانات واستعادتها صعب.. بس الأصعب منه كان نسيان محبتي لريهام.. والأوقات اللي كانت عامرة بقفشاتنا وحوارتنا و ضحكنا.. وتنافسنا المحفز على التفوق..
مش ناسية كمان إننا وإحنا صغيرين كنا بننتظر جيرانا الجُدد اللي هيسكنوا الشقة اللي جنبنا.. مر علينا جيران مصريين.. وسعوديين. واللي عمري ما نسيت جيرتهم الجميلة... كانوا جيراننا السودانيين.. أكلنا من إيديهم الويكة والعصيدة.. وامتلأت حواسنا بعطور الصندل والمسك الآسرة.. واللي كانت بتفوح من اتوابهم ومن صالة بيتهم كل ما نزورهم..
مع القراءة فهمت إن فيه جروح تاريخية بعضها لسه ما اندملش.. بس عمري ما تصورت إن ده ينسحب على الشعوب...
السودانيين والفلسطينيين والليبيين حتى لو ما كنتش فاهمة بمبادئ التاريخ والجغرافيا إنهم أمن المصريين وحوائط الصد عنهم وبيهم.. .. وإن اللي يصيبهم يصيبنا.. ويصيبنا إحنا أكتر..
فهم بحكم ظروف العيشة اللي جمعتنا جيراني ومنهم أقرب أصدقائي.. وعلى الحلوة والمرة سوا..
لذلك كنت باستغرب جدا مع بداية أزمة #سد_النهضة إنه بدل ما أزمة زي دي تعزز التعاون الشعبي قبل الرسمي بين مصر والسودان.. أتفاجئ بمجموعات وتعليقات بتتفنن في تأجيج الخلاف والفتنة! وللأسف معظم الحسابات اللي بتعمل ده.. بتبقى حاطة في صورة البروفايل علم مصر، أو شعارات "وطنية"!!!
يعني الحسابات دي سواء كانت حقيقية أو وهمية أو حتى لجان موجهة.. طيب بتعمل كده لصالح إيه؟ ولا مين؟
من يومين عزّل للبيت اللي ساكنة فيه جيران جُدد.. حسيت بحنين جارف لما شفتهم.. واستنتجت من أتواب السيدات الجميلة ولون بشرتهم حبيبة الشمس إنهم سودانيين.. كانوا في مدخل البيت لسه بيطلعوا شنطهم.. رحبت بيهم وقلت لهم نورتوا مصر..
وبعدها أكدت على زوجة حارس البيت أن تجيد استقبالهم والتعامل معاهم.. خفت -رغم دماثة خلقها- إنها ما تتوفقش في التعامل معاهم. فأكدت لي فرحتها بيهم بسبب طيبتهم وكرمهم..
لو عناوين الأخبار بتنقل غصب عننا صور وأخبار ناس المفروض إنهم بيمثلونا بينما هم بيد#وسوا على د#م أهالينا بجنا#زير المد#رعات.... وولاءهم فقط للم7تJ اللي بياخدوا تعليماتهم منه...
يبقى مش فاضل لنا غير إننا نحاول على الأقل بيننا وبين بعض نشوف صورنا الحقيقية وقد إيه إحنا شبه بعض..
ونكتشف إننا في الميادين من غير ألوان العلم.. ممكن مانعرفش نميز مين فينا مصرية ومين سودانية!
.