امبارح سعدت جدا بالتواصل مع صديقة جميلة، كانت مهتمة بالفكرة اللي كتبتها في بوست عن "أصحاب اليمين"، أو "الميمنة"، وإنهم كما ورد في سورة 'المدثر" هما بس اللي قادرين على تخليص أنفسهم من كل ما اكتسبته، واترهنوا بيه أو فيه، بمعنى إنهم قادرين يتحرروا من التأثير السلبي لهذه المكتسبات.

(كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39))

 وكنت باسأل في نفس البوست، يا ترى إيه هيا صفاتهم اللي أحصتها الآيات الكريمة؟لإن المفروض إن الصفات دي، هي اللي خلتهم جديرين بهذه القوة النفسية والتحرر، من سلطة الموروث والمكتسب.

********************************

(***أصحاب اليمين، هم اللي بيتناولوا كتابهم باليد اليمنى يوم القيامة، وده لإن حسناتهم زادت عن سيئاتهم.)

ده اللي قالتهولي صديقتي، في محاولة منها -أسعدتني جدا- للإجابة عن سؤالي.

وفي اللي جاي، هاسرد باقي الحوار زي ما تم بيننا، قلت لها : 

- مسألة تناول كتاب الأعمال باليد اليمنى جت في قراءات واجتهادات مفكرين كتير، وبالنسبة لي مش نقطة بتستوقفني عشان أتفق أو اختلف عليها؛ لكن ما يعنيني فعلا هو التفنيدة اللي ربنا -سبحانه وتعالى- قالها عن سمات ومميزات أصحاب اليمين، مسألة تناول الكتاب دي جايز تكون نتيجة بحسب القراءات المعروفة، وجايز تكون أصل بحسب تصور خاص، بس المهم هنا التفاصيل -ال (manual)- بتاع أهل اليمين، إيه؟ 

**** هو المفروض إن أصحاب اليمين دول، مرحلة بين السابقين، وبين أصحاب الشمال، وإنهم منعمين لكن مش زي السابقين.

-تمام كده، هم لهم نعيم كبير أقل من السابقين في الكم، لكنه امتداد ليه في الكيف، لإن السابقين بيبقوا أكثر سرعة في أداء هذه الصفات، بس برضه دي نتايج، فين الخطوات، فين الطريقة؟ فين الصفات؟

**** فين يا ستي؟ ها؟

- عشان نعرفهم صح، ممكن نتبع طريقتين، الأولى إن إحنا نقرأ كل صفاتهم اللي جت في الآيات الكريمة، والتانية إن إحنا نعرف صفات المناقضين ليهم، اللي هما أهل الشمال.

في صفات أهل اليمين، ربنا -سبحانه وتعالى- قال: 

▪إنهم قادرين على تحرير أنفسهم من أي حاجة بتكبلها زي ما قلنا قبل كده.

▪إنهم أقوياء قادرين على اقتحام عقبات نفوسهم، وتخطيها بطاقة العطاء للآخرين.  

*** مش فاهمة! إيه علاقة العطاء للآخرين، بالتحرر واقتحام العقبات النفسية؟ 

- أي إدمان من أي نوع، سواء كان كيميائي بيولوجي، أو سلوكي، بيكتسب قوته وسلطته علينا، من سلطة "الدوبامين"، الدوبامين ده هرمون وموصل عصبي؛ بيزيد إفرازه في حالة الإدمان، وهو اللي بيسبب السعادة والنشوة اللي بيحس بيها المدمن.

فيه أبحاث أثبتت إن العطاء للآخرين، بيسبب برضه إفراز نفس الهرمون، وهرمونات تانية في الجسم، بتوصلنا للسعادة، من غير الأعراض الجانبية للإدمان، وده تم إثباته عند الناس اللي بتخصص جزء من حياتها للتطوع، ومساعدة الآخرين، والعمل العام.

 الناس دي بيكونوا أكتر ناس، محصنين ضد الإدمان، وبيكون عندهم من الصفاء والقوة النفسية، اللي يخليهم قادرين يتخطوا أي مشاكل أو عقبات وعقد.

****زي إيه العطاء للآخرين؟ صدقات وزكاة؟ ما كل الناس بتعمل ده؟ 

- مش بس صدقات وزكاة، ده طبعا جزء منها، لكن الصفات كلها جت في آيات سورة "البلد"، ربنا -سبحانه وتعالى' قال فيها:

  (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18))

صدق الله العظيم 

****************************

-يعني نقدر نحددها كالآتي:

▪بيساعدوا على تحرير غيرهم، وروافد التحرير كتير، وممكن القياس على المعنى المعروف للعتق اللي هوا (تحرير الرق)، لإن الأصل هنا في العتق، أن يمتلك الإنسان كرامته، وإرادته، بالقياس على المعنى ده، يقدر أي حد يساعد غيره على العتق.

▪طبعا مساعدة المحتاجين وإطعامهم، بالذات في الأوقات اللي بتشتد فيها الحاجة والفقر.

▪كفالة اليتيم.

▪مساعدة كل من لا يجد الحد الأدنى للحياة الكريمة (متربة: فقر شديد، والتراب هنا للكناية عن سوء العيشة).

▪وأهل الميمنة هم اللي بيتعاملوا بالصبر والرحمة، سواء كان سلوك أو حث وتذكير.

****************************

****هم دول أصحاب الميمنة؟

-أيوة، وعشان تتأكدي من صفاتهم، هتلاقي صفات أصحاب المشأمة، أو أصحاب الشمال، جت في أكتر من موضع، في اتجاه مختلف تماما، بيأكد على ضعف النفوس، وتعلقها بالسلطة، والمال، والترف والتكذيب بالدلالات والآيات.

 في سورة "الأحقاف" ربنا أورد ذكر أصحاب الشمال وما سيلاقونه في الآيات من (٤١) إلى (٤٤) وبعدين وصفهم عز وجل بعد كده:

( إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحنث العظيم) 

صدق الله العظيم 

وفي سورة الحاقة كان فيها تفنيد أكتر، قال عز من قال:

(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (26) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (27) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (28) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ(29)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ(30))

صدق الله العظيم

***********************

**** بس هنا عندي سؤالين:

  انتي قلتي في بداية كلامنا، إن فكرة تناول الكتاب بالإيد اليمين أو الإيد الشمال، دي ممكن تكون نتيجة أو أصل، بس الأهم هو صفاتهم الواضحة في القرآن، عايزة أفهم قصدك إيه من الجملة دي؟

السؤال التاني: ليه الترف، والسلطة والمال، ممكن يكونوا سبب للتصنيف الصعب ده، وسبب للعذاب، مش دول من أشكال النجاح والنعيم؟!

-خليني أبدأ بالسؤال التاني:

 المشكلة مش في الترف، والسلطة والمال؛ المفروض -زي ما أنتي قلتي- إنها نتايج، ومؤشرات للنجاح والنعمة، بس النتيجة مش هدف، النتيجة بتيجي تباعا، تحصيل حاصل، ما ينفعش نستهدفها، ما ينفعش نعيش عشان نلم فلوس، ويكون ده هدفنا، أو نعيش عشان نوصل لمنصب، ساعتها ممكن عشان نحقق الهدف ده، نكون بنخضع نفوسنا وبنضعفها، وممكن نعرض نفسنا لتجاوزات فيها ظلم لينا وللي حوالينا.

 وده قبل ما بيسبب لنا عذاب العاقبة، هو أصلا بيسبب لنا جحيم وعذاب باطني.

*** عندك حق، صعب قوي يكون إنسان كل همه في الحياة يبقى معاه فلوس، أو يتشهر، أو إنه يكون صاحب نفوذ بأي تمن، وتلاقيه مرتاح وقلبه راضي، دايما هيبقى غصب عنه عايز أكتر ومش شبعان.

- بالضبط، وده برضه نوع من الإدمان النفسي، إدمان للصورة الذهنية للنجاح، بغض النظر عن القيمة والهدف، والآخرين.

****طيب إيه حكاية بقى الأصل والنتيجة الخاصة باليمين والشمال؟! صحيح.. افتكرت دلوقتي في كتابك #لحظة_سَحَر كان فيه حوار سريع بين "نور ونعيم" على الجزئية دي، نعيم قال فيها حاجة عن فص المخ اليمين أوحاجة كده! بس ما وضحتش قوي.

- شخصية نعيم اتكتبت في ذهني قبل ما تتكتب على الورق، وماكنش بيبطل تأملات، ولو كنت كتبت كل اللي بيقوله، مش هنخلص????

بصي بقى يا قمر، المعروف إن مخنا فيه فصين، واحد يمين وواحد شمال، وموصولين ببعض بضفيرة عصبية، كان من الشائع إن فيه ناس بتستخدم فص أكتر من التاني، بس ده تم تصحيحه، واتقال إن كل فص مختص بمهام بيقوم بيها أفضل من التاني، لكن الاتنين بيكملوا بعض عند كل شخص.

-إديني أمثلة عشان أفهم.

-فص المخ الشمال مثلا شاطر في اللغة، بس هو بياخد الكلمة بظاهرها، وشاطر في التحليل والمنطق، والأرقام، وتحت الأرقام حطي خطين، الفص ده بيركز في تفاصيل الحقائق، مش في مجملها.

-طب والفص اليمين مسؤول عن إيه؟

الفص اليمين بينشط فيه أكتر مراكز العاطفة، والخيال، والإبداع، بيشوف أبعد من الملموس، بيفهم الحقائق بالحدس، مش بالمعلومة، وبيفهم اللغة بمعناها مش بلفظتها.

-طيب يعني هم بيكملوا بعض فعلا، ممكن يكون محاسب وبيخرج شيت إكسيل بإبداع، وممكن يكون فنان وبيعرف يدير حساباته، فين بقى هنا الإنا؟!

-نعيم أوحالي إن معنى (أوتي كتابه بيمينه) دي معناها تغليب العاطفة والحب، وقراءة الحدس، والمجمل، والمعنى العام، واحنا بنتعامل مع الآيات والإشارات والمواقف.

- مش فاهمة، ليه نعيم متصور إن معنى أوتي، يعني أدرك؟ أو فهم؟ مش أوتي الشيء يعني: جيء به؟ 

-سألت نفس السؤال ده، وأفتكر إنه مر علي في كتاب "شرح سنن أبي داوود" للإمام الخطابي ، حديث قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: 

( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه...) 

وقال الخطابي: ( إن معنى هذه الجملة يحتمل وجهين من التأويل:

الأول أن يكون أوتي من الوحي الباطن غير المتلو، مثل ما أوتي من الظاهر المتلو.

والمعنى الثاني: أنه أوتي الكتاب وحيًا يُتلى، وأوتي مثله البيان، أي يبين ما في الكتاب) 

وبحسب القراءة دي، يبقى ربط أوتي بالإدراك والفهم، ممكن يبقى له منطق مقبول.

بعض المقالات والمقاطع في التعليقات، قد تساعد، والله -عز وجل- أعلى وأعلم.