(تهامي منتصر) هذا العلم البارز في حياتنا الثقافية والإعلامية، أعيش معه هذه الأيام في كتابه القيم الممتع ( الأبناء والسلطة) ولا يسعني إلى أن أحييه على جمال الفكرة وروعة الأداء وبراعة الاستنتاج، الكتاب به حشد هائل من المعارف التاريخية، والمعلومات التراثية، والإطلالة الواقعية، والثقافة الواسعة، والمعرفة الحاشدة، كما به كم ذاخر من النقد المعاصر والجرأة التي يؤتاها إلا تهامي منتصر، صاحب القلم الحر، والقلب الشجاع، والنفس الأبية، التي تحترم الحق وتناصر الصدق، ولا تقبل النفاق والمداهنة، بل هي مطبوعة على الصراحة والحرية، فمنه تعلمنا ذلك، ومن مواقفه استلهمنا معالم السمو والإباء..

وهي المعالم المؤهلة لمثلة أن يؤلف كتابًا في هذا المعنى، وتحثه أن يدون مثل هذه الأفكار، فالكتاب في فكرته وموضوعه لا يمكن أن يخطر إلا ببال قلم كما قلنا حر، لكاتب كما ذكرنا شجاع.

يخامرني إحساس كبير بعبقرية هذا السفر الباهر، وأتساءل كيف جمعه الأستاذ تهامي، وكيف كان تعبه فيه حتى خرج لنا بهذه المادة العبقرية التي شرقت وغربت وبعدت وقاربت، في إطار من الوحدة الموضوعية الدقيقة الهادفة، فكان كتابا تاريخيا فكريا بامتياز، يلقي بظلاله على الظلام والمحن والكبوات التي ألمت بتاريخنا قديما وحديثا، فكنا عبرة الأمم وحديث العوالم.

ما أروع الأستاذ تهامي لو أنه عكف على مثل هذه الدراسات القيمة فأخرج لنا كثيرًا من نماذجها، لا شك أنه سيكون مكسبًا كبيرًا للمكتبة العربية.

وإني لأعد هذا الكتاب من الكتب الأصيلة التي تبحر في ثنايا الدهور، ولا يكتفي فيه كاتبه بنقل الباحثين، بل يعلق على أحداث الزمان بعقل المفكرين، مصحوبا بالروح الدينية التي تعبر عن الإسلام في تأييده للحق والإنصاف، رافضة صور التملق والنفاق.

وهو كتاب ليس للترف المعرفي، وليس لتضخيم العقل بالاطلاع، وإنما هو كتاب يوخز الضمير فيوقظ فيه معاني العبرة والبصر والتأمل الرشيد، بل هو كتاب تربية وأدب شأنه في ذلك شأن كتب التراث العظيمة التي حوت وجمعت إضاءات لافتة من تراثنا الخصب فكان لها من بصماتها ما يفيد مستقبلنا ومسيرنا الحضاري.

من يطالع كتاب الأستاذ تهامي يدرك بعمق روعة هذه العقلية واتزانها من خلال الطرح والرأي الذي ماجت به صفحات الكتاب، وكأنه قدم لنا شهادة ليست على عصره فقط، وإنما كان فيها شاهد على كل العصور.

الكتاب يعالج مرضا عضالا في حياة الأمة وكل الأمم عبر التاريخ والحاضر والمستقبل، وهي علة التوريث التي جنت على مصائر العباد وأفسدت حال البلاد.

ما أعجبني في الكتاب هو بروز نكهة تهامي منتصر التي أحبها وأتوافق معها، وكل كاتب له نكهة خاصة به، لكن سمة الأسلوب وألوان التعبير لدى الأستاذ تهامي مما يوقظ الفكر ويصحح المفاهيم.