صحا الشيخ الأزهري من نومه على فاجعة هزت العالم الإسلامي وقام مهرولا إلى زيه الأزهري يمتطيه، وأسرع نحو الباب، فقابلته زوجته: إلى أين هذه الساعة من صباح؟

نظر إليها الشيخ نظرة امتعاض واحتقار، وقال لها: ويحك يا امرأة، يالك من زوجة لعينة مستهترة مغيبة، ألا تعلمين ما حدث؟ 

ألا تعلمين الفاجعة التي ألمت بمصر؟ 

ألا تعلمين المصيبة التي حلت بالوطن؟

دعيني وشأني حتى أذهب مسرعا لأقدم واجب العزاء والمواساة؟

تقدم الشيخ نحو الباب بلهفة المفطور، ثم تذكر شيئا لفت باله واسترعى انتباهه في الزوجة التي أغضبته بجهلها، فعاد إليها مسرعا وفتح الباب ونظر إليها مع فتاتهما، وقال: لعنة الله عليكما كيف لا تتشحان بالسواد فتعبران به عن حزنكما وانفطار قلبيكما، ألهذا الحد صدئت قلوبكما، وصرتما لا تعبآن بمصاب وخطب؟!

إن المرء ليضيع وقته في نصحكما فقلبيكما لا فائدة منهما ولا نفع في نصحكما.

أسرعت الأم وابنتها لترتدي السواد وأخذت تتساءل ماذا حدث وماذا جرى في الوطن مصر؟

هل انهدم الهرم؟

هل سقطت اذن ابو الهول؟

هل احترق تراث أم كلثوم؟

هل انفجر برج القاهرة؟

هل ضربوا غزة بقنبلة نووية؟

ماذا جرى يا بنيتي أسرعي إذن وافتحي التلفاز لعلنا نسمع الخبر الذي أفجع أباك وجعله يهرول للعزاء.

فتحت الفتاة التلفاز، وأخذت تقلب القنوات، قناة تلو قناة فلم تجد أي شيء.

قالت الأم عجبا فلماذا خرج الرجل بهذه اللهفة؟

تعالي بنيتي فافتحي الانترنت وقلبي في هاتفك، فبعض الأخبار يعرضها الانترنت قبل عرضها في الفضائيات.

أمسكت الفتاة وأخذت تقلب في أخبار (نبض) خبرا بعد خبر لم تجد أي شيء، يستحق أن يسمى بمصيبة وفاجعة، وفجأة وهي تقلب وجدت نبأ عزاء باسم والدها الشيخ الأزهري وكان نصه كما يلي: 

(الشيخ مظهر شاهين يواسي خالد الصاوي في وفاة كلبه.. أدعو الله أن يربط على قلبه ويلهمه الصبر والسلوان)

أدركت المرأة وقتها أن زوجها قد أصابته نوبة الجنون التي تواتيه كل عام، وأنه لم يداوم على العلاج الذي قرره الأطباء، فانحرف تفكيره وضل تصرفه، وأتى بالعجائب.

وعذرت الزوجة زوجها بعد أن تبين لها حقيقة الأمر، ولكنها تمنت أن يفهم الناس الحقيقة فلا ينصبون باللوم على زوجها.

وإلى هنا تنتهي القصة الأدبية الخيالية داخل البيت.

أما في الخارج فكان ما كان من عجب عجاب فريق من السذج يسارعون لتأييد الشيخ بادعاء أن فعله من باب الرحمة بالحيوان والرسول الكريم كان رحيمًا بالحيوان، والإسلام حض على الرحمة بالحيوان، وإن كل منكر للتعزية يجافي طبيعة الإسلام الرحيمة ويؤصل للقسوة التي تنفر الناس من دين الله.

والحق أنني لا أعلم بأي منطق وبأي شكل وبأي عقل وبأي غباء يسير أمثال هؤلاء الناس ويحكمون ويقومون الأمور، أمام هذه المهزلة والمسخرة وهذا العَتَه والبَله.

كلب يموت فيهتم له صاحبه ويحزن فيقوم له شيخ أزهري معمم يعزيه، ثم يقول له داعيا: أسأل الله أن يربط على قلبه؟

يربط؟.. يربط؟ 

ربط الله عنقك بلجام حمار.

أإلى هذا الحد وصل فهمنا ونظرنا في عصر الميوعة والخلاعة والفتن.؟ ممثل أهوج لا يعيش في الدنيا إلا لكلب، يداعبه ويكسوه ويروح عنه ويقيم له رحلات وحفلات ويذهب به إلى محلات الملابس لتكسوه بأحسن الثياب.. ثم يقوم شيخ أزهري يعزيه؟

هل حدث مثل ذلك في التاريخ أو قرأنا عن مثله؟

ربما يقول البعض لقد واسى النبي صلى الله عليه وسلم طفلا في عصفوره الذي مات؟

ولكن هذا طفل وله عقل طفل وهم طفل ومنطق طفل، ولهذا عطف عليه الرسول الكريم، أما أن يكون رجل ينتظر منه أن يكون على منطق الكبار وفعل الكبار وهمة الكبار، فإن الأمر شائن مريب.

كثير من الأدباء والمفكرين كانت لهم قطط وكلاب يربونها ويحزنون عليها ومنهم من رثاه في معرض موته، كالعقاد وسيد قطب مثلا، لكن لم يحدث أن قام شيخ ليعزي الأديب في موت قطه، لأنها تصير أضحوكة وطريفة من طرائف الزمان، ومن المحزن أن تصدر من شيخ عرف بين الناس بأنه وصولي انتهازي..

يحدث هذا في الوقت الذي ينحر فيه الآلاف من المسلمين الأبرياء في فلسطين، فلم يتحرك ساكن الشيخ الرقيق العطوف ولم يتلفظ بعزاء ولم يقم بمواساه، ليتحرك قلبه فقط في النازلة العظيمة المهولة حينما مات كلب الفنان.

الشيخ الخبيث عرف وعلم أنه وقع في المحظور، فأخذ يدير المعركة بخبث ودهاء، مستغلا جهل العامة، فنقل الناس إلى الحديث عن الرحمة بالحيوان، وعرج على الأوهام التي ما زالت تعشش في أفقه ووعيه المريض، بأن الذين يهاجمونه هم إخوان أو داعشيون أو جهلاء بقيم الإسلام.. ومثله هو الذي لا يفهم معنى الإسلام ولا يعي ما عليه قيم وتعاليم.. حينما يفرط في حق الإنسان، ويقيم حق الكلاب.!

لأن الرجل الذي يتحرك قلبه لكلب مات، ولا يتحرك لآلاف الأبرياء في فلسطين، لهو قلب يمتلئ بالنفاق والفجور والضلال والعبث.

أتذكر نفس هذا الرجل الذي يلقبونه بالشيخ يوم أن خلع عمامته وتبرأ من جبته، وقدموه في الفضائيات كمذيع يقدم البرامج، ولكنه فشل فشلا ذريعا، وكان من ضمن حلقاته التي قدم فيها الفنانة إلهام شاهين، المرأة التي تتفنن في تعرية جسدها، وتقحم نفسها بتصريحات عبثية تمس المعتقد والتعاليم الدينية بسوء، وهنا يتجاسر المذيع البطل ليعلن على الملأ: إنك يا أستاذة إلهام أشرف وأعلى وأعظم من كل من انتقدوك.

لا أعلم لماذا أتخيل الشيخ الشعراوي على هيبته وعلمه ووقاره في موضع الشيخ مظهر شاهين؟

هل لو فعل الشيخ الشعراوي مثل هذا الصنيع أكان يكون مقبولا أو ملائما؟

بعض الناس يتصور أننا ننكر الرحمة بالحيوان وذلك لا يكون أبدا؟

وإنما ننكر الميوعة والمهازل والمساخر حينما يهل علينا الوقت الذي نجعل التعزية في وفاة كلب.!

وما الضير لو مات كلب، وما الضير لو حزن صاحبه؟ هل يستحق ذلك أن نعزيه أو نقيم له سرادق مواساه؟

وتنتشر مثل هذه الاخبار والأنباء في المجتمع فيتعود على الخنوثة والميوعة، وربما يسارع الناس في اقتناء الكلاب وحبها ومعاشرتها وإقامة سرادقات العزاء لها حين موتها، ويهب الناس من كل فج وقطر ليقدموا واجب العزاء في الكلب الذي مات، لأنها بدعة الشيخ مظهر، الذي يبهره عالم الفنانين ويحاول التقرب إليهم بأي صورة وأي طريقة.

الشيخ خالد الجندي على طريقة صاحبة مظهر ومن شاكلته وقد استطاع أن يعبر عن الغاية من فعل أخيه مظهر دون أن يدري، فالقصة ليست قصة حنان على الحيوان أو رحمة وإنما كانت على حسب تعبير الشيخ خالد بقوله: 

دي حاجة عظيمة جدا عجبتني في الشيخ مظهر شاهين.. عمل موقف.. الحقيقة موقف ملفت للنظر والموقف ده الحقيقة يعني تقريبا أنا في حياتي مشفتش زيه قبل كده. هو دا يعتبر انفراد للدكتور مظهر شاهين.”

انفراد... وملفت للنظر

بهذه المعاني وهذه التعبيرات تستطيع بكل وضوح أن تفهم طبيعة هؤلاء الناس الذين يسارعون إلى الأضواء على حساب القيم والدين والمنطق والمعقول، المهم أن يفتعلوا المواقف الملفتة المثيرة التي تجعل منهم نجوم الفضاء وتجري ذكرهم على كل لسان.

وكلمة أخيرة إلى الذين يدافعون عن حقوق الحيوان..: خيبة الله عليكم وأنت تفتنون بشيخ لم يقدم قلبه الحنون يوما دمعة لشهيد فلسطيني، في اليوم الذي يقدم فيه عزاءه للكلب.

خيبة الله على أفهامكم وعقولكم.

ولله در الدكتور حسن عبدالهادي عيد العسيلي في قوله: 

شَيْخٌ يُعَزِّي في مَنِيَّةِ كَلْبَةِ * والناسُ تُقْتَلُ في شَوَارِعِ غَزَّةِ

--------------------------------

وليعذرني الناس أنني أتكلم في مثل هذا الأمر فلقد دهشت من سطحية العقول ونقد السطحيين.