حينما كانت العلاقه سيئة بين مصر وتركيا، وكان هناك اختلاف سياسي محتدم معلن ملموس بين الدولتين. 

خرج الإعلام ليسهم بدوره في هذا العراك وإذكاء نيران العداء، وسارعت الدراما كأحد أذرع الاعلام المهمة والغالبة لتدلي بدلوها في هذا الخلاف، وكان مسلسل (ممالك النار) الذي كان عبارة عن 15 حلقة يتيمة، وهو العدد المضحك حينما ننظر الى مقابله من المسلسلات التركية التي يبلغ الجزء الواحد من الحلقات فيه أكثر من 150 حلقه، فمن المفروض على مسلسل يشوه الصورة التركية، أو يهاجم تاريخ دولة كتركيا، ويحاول ان يشوه صورة الخلافة العثمانية، كان الأولى به ان تكون حلقاته على أقل تقدير في 50 حلقة لكن كما يقال: تمخض الجبل فولد فارا. 

لكني لاحظت وقتها أن هناك دعايه عظيمه جدا جدا في ادعاء الاعجاز المذهل لهذا المسلسل ونجاحه الساحق، حتى كاد بعضهم أن يقول: إن الدراما المصرية لم تخرج لا في السابق ولا في اللاحق مثل هذا المسلسل روعة وإجادة. 

أيضا كان لبطل المسلسل وهو الممثل خالد النبوي الذي لا أطيقه على المستوى الشخصي ويمجه ذوقي، ولا أقتنع به ولا اعترف به، حتى أنه أفسد علي صورة الامام الشافعي التي كانت في خيالي عنه، في مسلسله الذي جسد فيه شخصيته، لكنني كنت أندهش كثيرا حينما أرى هذه الأبواق التي تجعل منه وكانه يفوق أعظم ممثلي العالم وبعضهم جعل قدراته في التمثيل تفوق قدرات انتوني كوين مثلا او توم كروز. 

وكانت هناك دعايات ثالثة كبيرة جدا جدا تمدح مدحا مفرطا في تاريخ ابن إياس الحنفي ذلك التاريخ الذي سجل احداث سقوط دولة المماليك و استيلاء العثمانيين على مصر وطبعا من المعروف ان ابن اياس كان يصف العثمانيين بأوصاف بشعة وأوصاف غير انسانيه في اعمالهم في الفتح وقسوتهم في التعامل مع اهل مصر والوحشية الباهظة التي عاملوا بها المصري. 

حاول المسلسل ان يظهر ان (طومان باي) بطل قومي وأنه كصلاح الدين والمظفر قطز، ولكن الحقيقة كانت خلاف ذلك، فقد كان مجرد سلطان حدث غادر خائن شأنه شأن كافة المماليك ومن يتتبع تاريخه يعلم ذلك ويدركه. 

كذلك كان ابن إياس نفسه مؤلف الكتاب الذي تم الاعتماد عليه، إذ يعد قوله في العثمانيين مجروحا لان ابن اياس كان اميرا مملوكيا وكان والده وإخوته من ضباط المماليك وأمراهم، اما هو فاختار العلم وكتابه التاريخ فمعنى انه يذم العثمانيين ويبدي نفوره منهم ويصفهم بأبشع الوسائم فليس الامر أنه مجرد مؤرخ او مؤرخ أو إنسان عاصر الاحداث فقط، ولكنه قبل هذا انسان متعصب لبني قومه وهم المماليك، ومن ثم كان الاحتياج الكبير لمثل هذا المؤلف ومثل هذا الهجوم على تاريخ الاتراك وتاريخ العثمانيين، كانت ملحة في ذلك الوقت لتبني وجهه نظر صاحب بدائع الزهور، فظهر دور السلطان العثماني سليم الاول وتم تمثيله وكانه شيطان في صوره انسان، حتى المكياج ايضا حاول ان يدعم هذا التصور، فبدا وكانه شبح مرعب مخيف، ذو شوارب طويله وحواجب ثقيله يبدو على وجه الغضب والشر، ولديه شذوذ في التعامل الانساني، حتى يصوروا للمشاهد او يعطوا الايحاء المطلوب بكره هذه الشخصية، أذكر أن الممثل خالد النبوي وقتها جاء في أحد برامج وحاول أن يظهر بصورة المثقف وقال مادحا بافراط تاريخ ابن ناس وذكر: انا لم اكن اعلم تاريخ مصر هذا الرجل وهو ابن ياس حكى كل شيء بالتفصيل وذكر اوصاف دقيقه جدا جدا جدا، تجعلنا من الواجب ان نقتنيه وان نقراه وان نسعد به وان نعرف كثيرا من الاشياء عن تاريخنا. 

واذا كان هذا المدح المفرط لابن اياس والاعتماد الكبير على هذا التاريخ في وصف سقوط الدولة المملوكية ودخول العثمانيين لمصر وتعظيم اسم ابن اياس بهذا الشكل، ألم يكلف النبوي وغيره ممكن يطنطنون بالكتاب أن يقرؤوا ماذازقال في مصر وذكر من طبائع أهلها ورأيه فيهم؟

خاصه وانهم حاولوا ان يجعلوا من (طومان باي) بطلا مصريا مع انه لم يكن مصريا ولا علاقة له بمصر وأصوله ليست من مصر وانما هو من دولة المماليك وهي الدولة التي اتسمت عبر تاريخها بالظلم والقسوة والجبروت والقهر والغلبة والعدوان على المصريين. 

لكن ماذا كان رأي ابن اياس في المصريين؟ 

ابن إياس الذي قالوا بأنه عاصر كل شيء ووصف بالحقيقة كل شيء كيف كان قوله في المصريين؟

وهل يمكن أن نمدحه ونعتز بكتابه بعد رأيه في أجدادنا، أم أننا سنذمه وننزله من المكانة العالية التي روج لها أصحاب المصلحة؟

سؤال نحتاج الإجابة عليه بعد أن نعرف ماذا ذكر عن المصريين. 

يقول ابن إياس في باب ذكر أخلاق أهل مصر وطبائعهم وامزجتهم وما أشبه ذلك "وعندهم الجبن والقنوط والشح وقلة الصبر على الشدائد، وسرعة الخوف، من السلطان، وعندهم قلة الغيرة على عيالهم، وعندهم التحاسد، في بعض وكثرة الكذب، وذم الناس، ومنهم من خصه الله بالعقل وحسن الخلق، حتى كلاب مصر أقل جرأة من كلاب غيرها من البلدان، وقيل إن الأُسد اذا دخلت مصر زلت، وقل أزاها عما كانت في القفار وذكر قول ابي الصلت: أهل مصر الغالب عليهم اتباع الشهوات، والانهماك في اللذات، والاشتغال بالترهات، والتصديق بالمحالات، في اخلاقهم رقة، وعندهم بشاشة وملق، وعندهم مكر وخداع، ولهم كيد وحيل وذكر كذلك من قول بعضهم: نساؤها شر نساء الأرض، وعندهم خبث ودهاء ومكر ورياء، وهي بلد مكسب لا مسكن أهلها أهل شر، فكن منهم على حذر"