أهات حبيسة , كالطير الشارد تحلق , شلال يتدفق , ولا زال, تراجعت بجسدها وهي تحاول ان تغرسه في مقعدها , وهو لا زال يحاول قدر طاقته يحاول الا يفلتها من بين يديه أو ان تبرح حضنه برهة , يشعر بكل رعشة لها , ويقف كالحارس الامين علي باب نبضات فؤادها المنهك , تهوي في الخدر , يهبط معها وكانه العصفور الجريح الذي تراءي له من يضمد جرحه أو يلقم فيه بعض الحب .
التقت لحظتها الشفاه و تلاشت كل الحدود , هي قبلة الحياة لها , اما هو فكم اجهدته تلك القبلة وانتزعت من روحه الكثير.
عادت انفاسها جراء تلك القبلة , وقلبها بدأ يشعر بالخفقان.
العيون جميعها في شرود والتيه تجلي في سمائهم , ولا يقر للنظرات قرار.
صراع بين الامس واليوم والخشية من الغد , الافكار حائرة لا تعي المصير , أو تعيه ولكن لا تملك الجراءة لكي تتكهن ماذا يعقب تلك القبلة.
نظرت اليه وهي تصارع ابتسامتها التي توشك الفرار من الشفاه الجافة وهي تقول
: لا عليك , الحب لن يدع احدنا غريبا عن الاخر , فقر عينا.
لم يملك اجابة لها سوي بعض الدموع التي انهالت من عيونه التي شلها الحزن والوجع ثم قال
: دع الحديث عنك , وانا ليس لي حياة سواك.
الشغف بالوجع ربما هو من يرسم تلك اللوحة , وهو من يخلق ملامحها ويختار لها ما ترتديه من ازياء , واية الوان تليق بها.
تحاول ان تجمع كل جسدها في اقل حجم ممكن يحتويه مقعدها , وتفر بوجهها الشاحب من نظراته المرتعبة ,
تكلمت وكأنها تهمس جراء قبلته قائلة
: تريد بها الحياة لي , لكن من يعلم اين تكون الحياة؟
امسك براسها ووضعه علي فخده ثم نظر اليها بلوم مليء بالحزن وهو يقول
: الحياة هي اننا معا , الم يكن هذا هو الاتفاق فيما بيننا ؟
اوشكت ان ترد الا انها لم تستطيع , اصبحت بحاجة ملحة لقبلته , قبلة الحياة
و بالطبع لم يبخل عليها بها
السيارة منطلقة وكأنها تنهب الارض نهبا
قائد السيارة حائر بين ان يطالع الطريق او يراقب تلك القبلات التي يراها في المرأة التي امامه , يحاول ان يسابق الريح والطريق بطئ.
التفتيش امامه لا يترك سيارة الا بعد ان يهتك سترها .
مد يده حيث يحفظ هوية السيارة , لكنه أخفق في تحقيق مأربه , اذ انها عادت اليه خالية الوفاض.
بالرغم مما يحيط به من تلك الضغوط وما سوف يلاقيه بعد قليل الا ان بسمة حائرة رقصت فجأة علي شفتيه وهو يهمهم فيما بينه وبين نفسه
: هذا – وللحق - ما كان ينقصنا , لله التدبير.
وأطل عليه وجه اسمر غليظ وهو يقول في غلظة
: أوراق السيارة , وأوراق كل من فيها و.....
قبل ان يكمل جملته لفته نظره من تجلس في خلف السيارة وهي تتلقي قبلة جديدة .
استشاط رجل المرور غيظا مما راه فقال بغضب عاصف
: هل وصل الامر بكم الي هذا المستوي , وامامي .
رمق قائد السيارة بنظرات نارية كادت ان تشعل السيارة بمن فيها وهو يخاطبه صارخا
: انت قد تلك السيارة الي جانب الطريق ولي معكم رجعة وحديث طويل .
ومئ قائد السيارة براسه بالموافقة , وتحرك بها الا انه لم يفعل كما طلب منه وانما بكل ما اوتي من قوة ضغط دواسة الوقود لتنطلق السيارة في سرعة رهيبة ضاربة بكل امر عرض الحائط .
من خلفها ارتقي رجل المرور دراجته النارية , ويكاد ينفجر من الغيظ والقهر بداخله.
منطلقا خلف السيارة التي فرت من امامه , وهو يطلب الدعم الفوري كي يتم اقتناص هذا الطائر المارق.
وما هي الا لحظات حتي وقفت السيارة بمحض ارادة قائدها , الذي قفز كالملسوع من فوق مقعده وهب مسرعا ليفتح باب السيارة ويقفز منها في سرعة تفوق سرعة الصوت , ليقف امام باب السيارة الذي تجلس هي بجانبه , جسده بدأ يتفصد منه العرق , والتوتر اوشك ان يرديه قتيلا , وفتح الباب , وهو يدفع جسده للداخل ويلقي يديه بداخل السيارة ويحملها في شوق عارم , ومن كان بجانبها قفز هو ايضا من الباب الاخر ليلحق به وينتزعها منه عنوة ويحملها علي كتفها كما تحمل الام وليدها الرضيع .
ركض وكانه في حلبة للسباق .
ومعه فؤاده الذي تعالت دقاته حتي اوشكت ان تصمت للابد.
ونبضها الذي تقهقر الي الوراء سريعا , راكضا للخلف .
وقائد السيارة الذي سقط اكثر من مرة وكادت راسه ان تتهشم , وهو يندفع خلفهما ليأخذها منه ويحملها هو.
ورجل المرور الذي كاد ان يصطدم بسيارتهم , التي توقفت فجأة امام ناظريه.
فقفز تاركا دراجته النارية للمجهول , كي يتمكن من اللحاق بمن سبقوه في هذا المضمار القهري.
تحطمت الدراجة النارية , واعلاها لافتة ظهرت جلية تحت اضواء الشمس .
مرحبا بكم في المشفى.
ولا زال الاخ يركض كي يصل الي أخته التي توشك ان تودع الدنيا , لولا قبلة الحياة التي ينفخها فيها الزوج بين حين واخر.