توارى السراب على مسالك الرمال كوشوشة وهمٍ. تأوهت الأرض تحت وطأة الشمس الحارقة. قاد الراعي سعيد أغنامه، باحثًا عن ظلال واهنة. فجأة، اهتز الهواء الساخن بصوت فحيح خافت؛ انبجست عقارب ضخمة ملتفة كحصن، تناثرت حولها صغارها كشظايا شر مستيقظ.
لم تكن إزهارًا يانعًا ولا ندى باردًا، بل لسعات غائرة توالت كقضاءٍ مبرم. كل لدغة كانت كحد مسمار يتغلغل في نخاع العظم، يفرغ سمها الزعاف لا في عروقه فحسب، بل في صميم أيامه؛ حولت بهجة أيامه إلى وهج شوك مبرح، ودَغَث لدغاتٍ لا تبرأ. لم تعد ضحكته تُسمع، ولا خطواته تحمل خفة الأمس؛ فقد تبدلت نظرته لكل شروق شمس.
امتدت مواسم الحر، لا بجنون حرارتها فحسب، بل بوابل لسعاتها التي غرست أنيابها في أعماق روح سعيد، مخلفةً جروحًا عميقة لم تُمحها أمطار الشتاء، ولا نسمات الربيع. ظلت تلك الآثار تهمس بقصة صيفٍ حوّل بهجته إلى وجعٍ لا يندمل، شهادةً على فصلٍ لم يكن ككل المواسم.
أزلية
استيقظَ تمثالٌ رخاميٌّ عتيقٌ، وعيًا باردًا... قرونٌ ذابتْ في سكونه. العالمُ لوحةٌ متغيرةٌ أمامه، حضاراتٌ تصعدُ كزفرةٍ وتهوي كشهقة، والريحُ وحدها تهمسُ حكاياتِ الفناء. كانَ هناك... دائمًا.
فجأةً، انزلقَ شعورٌ غريبٌ إلى صمته، رغبةٌ لم يعرفْها الحجرُ، لا أنْ يبقى ظلًا. تحرّكَ... صريرٌ مؤلمٌ يمزّقُ الأبديةَ. وصلَ إلى حافةِ الضجيجِ، مدينةً تنبضُ بحياةٍ غريبةٍ. نظرةٌ باردةٌ اختلستْها عيناهُ.
ثمّ... بركةٌ آسنةٌ تعكسُ حقيقتَهُ: تشويهٌ صخريٌّ، قبحٌ منسيٌّ.
لحظةُ إدراكٍ... لم يكنْ جزءًا من النبضِ، بل ثقلًا أبديًّا على كاهلِ الزمنِ، مرآةً صامتةً للزوالِ.
عادَ... صمتٌ أثقلُ من الحجرِ، ورغبةٌ ليستْ للحياةِ، بل لراحةِ العدمِ.





































