– يا ناس يا هو! ابني البِكري مات… الحقونا! حد يتصل بالإسعاف!
– قتلتِيه يا حيّة! لفّيتي حواليه زي التِعبان… لحد ما موتّيه!
ردت ناديه بصوت بيرتعش:
– إنت اتجننت على الآخِر؟! أنا أقتل جوزي؟! ده أنا كنت عايشة علشانه!
صرخ فيها وهو بيشاور بإيده ناحية الجثة:
– أهو! أهو قدّامك! ميت! انطفي! خلاص راح! وِلا هتقوليلي إن ده كمان قَدَرزي اللي اتجوزتيهم قبله
هزّت راسها بعصبية:
– آه قدر! وإنت عايز تلزق التهمة فيّ وخلاص! طول عمرك بتكرَهني… من يوم ما اتجوزت ابنك!
قرب منها وقال بعصبيه:
– لأ… أنا بكره اليوم اللي شوفتك فيه! من يوم ما دخلتي على ابني وهو اتغيّر… بقى ضعيف! بقى عامل زي اللي مخدوع!
صرخت وهي بتبعده:
– اتقِ الله! ده ابنك! تحب تقول عليه ضعيف؟! ده اللي واقف جنبي في كل شدة!
ردّ وهو بيعيط:
– ماكانش واقف… ده كان واقع! واقع بسببك!
ناديه ضربت صدرها وهي بتعيّط:
– وأنا؟! أنا وقفت في وش الدنيا علشانه! كنت بطمنه من خوفك! ومن صريخك! ومن تحكماتك!
قاطعها بعنف:
– اسكّتي! كل اللي اتجوزتيهم ماتوا… انا مش هسكت
صرخت بصوت مبحوح:
– اتقِ الله! كلهم ماتوا موتة ربنا ! ويمكن لما الإسعاف تيجي تلحقه ويعيش
قرب منها أكتر لدرجة إنها اتراجعت خطوة:
– حظرته كتير منك كنت عارف انك شر بس كان معاكي كأنه مسحور
رفعت إيديها وهي بتصرخ بالناس اللي اتجمعوا :
– يا ناس… حد يسمعني! أنا مكنتش بايتة في الشقة! كنت عند أمي… هقتله إزاي؟!
هزّ الراجل راسه بيأس وهو بيعيّط:
– مش هسيبك… غير في القسم. حق ابني هيرجع… لو على رقبتي. يا عالم! حد يتصل بالشرطة بسرعة!
سلمى وقعت على ركبها منهارة:
– ربنا ينتقم منك… ومن ظُلمك! أنا مش قادرة بقى يا مفتري…
في اللحظة دي وصلت الإسعاف، والناس وسّعت لهم بسرعة
دخل الدكتور الشقة …
ماكانش فيه صوت غير دقات قلوب الناس… لحد ما خرج الدكتور بعد دقايق طويلة حسّها الكل وكأنها ساعات.
بص لهم بحزن وقال بهدوء:
– البقاء لله.
هنا انفجر الأب في صريخ جديد، أعلى من الأول:
– هي! هي اللي قتلته يا دكتور! الحيّة دي! امسكوها… اعدموها!
الدكتور لفّ ناحيته وقال وهو موطي:
– يا حج… ابنك مات موتة ربنا. مفيش أي دلائل إنه مقتول.
نادية، اللي كانت واقفة على جنب ومتابعة اللي بيحصل، قالت بعصبيه:
– شفت يا ظالم؟! ابنك مات، إنت السبب! كنت طول الوقت مهدّده… مزعّله… وقاهره! كان بيعيّط من قسوتك وجحودك عليه!
الأب اتلفت لها بنظرة غضب، وبعدين مسك الدكتور من دراعه وقال بصوت مبحوح :
– لأ… أنا مش مقتنع! أنا عايز الطب الشرعي… دلوقتي! أنا واثق من كلامي… المجرمة دي هي اللي قتلت ابني!
قرب وشه من الدكتور وزعق:
– ومش هادفن ابني! هضحي… بس لازم الحقيقة تبان!
الدكتور وقال بصوت واطي:
— خلاص… روح فورًا اعمل بلاغ في النيابة، علشان الجثة تتحوّل للطب الشرعي. بلاش تتأخر… الوقت مهم.
قبل ما الأب يتحرك، قطعت نادية الكلام بصوت عالي :
— إنت بتسمع له ليه يا دكتور؟ ده مجنون! وأنا مش موافقة على الكلام ده كله. ده جوزي… وإكرام الميت دفنه! سيبك منه… ده بيخرف من الصدمة!
ما كملتش جملتها… الأب مسكها من دراعها وزقها ناحية الحيطة، ملامحه كان مليانه غضب، وقهر، والشك اللي مالي دماغه وقال:
— لو فتحتِ بقّك تاني… هوريكي المجنون هيعمل إيه! وحبل المشنقة… هيكون لُفّ حوالين رقبتِك بإيدي أنا!
نادية وقفت مكانها، والناس حواليهم اتصدمت، مفيش حد اتجرأ يقرب. الأب ما استناش ولا ثانية، جرى على السلم ينزل وهو بيكتم دموعه بالعافية.
وصل القسم… فتح الباب برجله ودخل بدون ما يخبط.
كان نفسه بيطلع ويدخل مش قادر يتنفس، وعينه حمرا من البكاء.
— يا بيه… أنا عايز أعمل بلاغ إن ابني يتعرض للطب الشرعي… أنا… أنا شاكك إنه اتقتل… مش موتة ربنا زي ما بيقولوا.
قبل ما أكلمه حتى، العسكري دخل جري وراه، مسكه من دراعه بقوة:
— ما يصحش كده يا راجل! تدخل على إبراهيم باشا بالشكل ده؟! هتعرّض نفسك للحبس! في احترام!
رفعت إيدي بإشارة للعسكري، وبصوت هادي:
— سيبه يا عبد الله… باين فيه مصيبة كبيرة واقع فيها.
العسكري سابه، والأب وقع على الكرسي اللي قدامه كأنه رجليه مبقتش شايلاه.
كان ماسك طرف الجاكيت بتاعه، ويشد فيه بعصبية وهو يقول:
— أنا… أنا مش هسيب حق ابني يضيع… مش هسمح لحد يدفنه وكأن اللي حصل عادي… ابني اتقتل… وأنا عايز الحقيقة… أرجوك يا باشا… ساعدني.
فتحت الأوراق قدامي، ومسكت القلم على المكتب، وقلت:
— قولي الأول اسمك وسنك، وتقرب إيه للمتوفي؟ وإيه سبب شكوكك؟
وقف الأب متوتر، عيونه مليانه غضب:
— اديني بس أمر إن ابني يتعرض للطب الشرعي… الدكتور مستني في البيت. بعدين هرجع أحكي كل حاجة. أنا أصلاً عايز أقدّم بلاغ في مراته… هي اللي قتلته… بس لازم يكون معايا دليل، عشان ما تقدرش تنكر.
كتبت على الأوراق بسرعة، وقلت له:
— تمام… اعتبر الأمر جاهز، بس أنا هاجي معاك… محتاج أكلم الدكتور كمان.
فعلاً رحت معاه، ودخلنا على الدكتور. سلمته أمر النيابة بتحويل الجثة للطب الشرعي. هناك، على الأرض، كانت ست في الثلاثينات، لابسة عباية زرقاء وطرحة لبني، قاعدة على الأرض بتعيط. الأب واقف ورا، باصص عليها بعينين مليانين غل وحقد.
سحبت الدكتور على جنب، وبصوت واطي:
— هو فعلاً ابن الراجل ده مات مقتول؟
هز رأسه بحزن، وقال:
— الكشف الأولي بيقول إن موته طبيعي جداً… تقريباً مات من بليل، بس محدش حس بيه، لأن مراته كانت بيتا عند أمها.
بصيت على الست اللي بتعيط، وهمست:
— يعني احتمال إن أبوه يكون بيتوهم؟
بص الدكتور عليها وقال:
— احتمال كبير… خصوصاً إنها بتقول إنه بيكرها، ومكنش موافق على جواز ابنه منها.
تنهدت وقلت للدكتور بصوت واطي:
— على العموم… إحنا هنعمل اللي علينا للآخر. هنحوّله للطب الشرعي، ولما التحاليل تطلع أبوه يتأكد إن الموضوع موتة طبيعية… ويسيب مراته في حالها.
هز الدكتور رأسه:
— فعلاً… معاك حق. وإحنا كمان نكون عملنا اللي علينا.
بص الدكتور للممرض اللي واقف جنبه وقال:
— انزل هات من العربية الشيّالة… وهات كام حد معاك علشان ننقل الجثة على المستشفى ونعمل التحاليل والتشريح اللازم.
واول ما الممرض اتحرك، فجأة الست اللي قاعدة على الأرض صرخت بصوت عالي:
— أنا مش موافقة على التهريج ده! إزاي يا بيه توافق على طلب المجنون ده؟ الدكتور بنفسه قال إنها موتة ربنا! عايزين إيه تاني؟! إكرام الميت دفنه! حرام عليكم!
رفعت صوتي علشان تسكت، وقولت:
— ده شغلنا. ومش هتفهمي أكتر مننا. طالما في بلاغ وشبهة جنائية، يبقى لازم الإجراءات تمشي مظبوط. وأي اعتراض منك… هاعتبره وقوف ضد الشرطة، وهتتعرضي للمسألة القانونية.
قالتلي وهي منهارة بالبكاء:
— أبوه… منه لله… كان معذبه وهو حي، ودلوقتي عايز يعذبه وهو ميت! يا ظالم!
انفجر الأب فيها، وهجم عليها:
— لو فاكرة إنك هتضحكي عليا بصريخك ده… ولا هتخوّفيني بصوتك العالي… انسي! أنا وراكي… لحد ما أثبت كل حاجة… وهتشوفي!
اتدخلت بينهم بسرعة، زعقت بأعلى صوتي:
— مش عايز أسمع صوت… لا أنت… ولا هي!
محدش فيكم عامل اعتبار لا لوجودي… ولا لحرمة الميت!
صراخ وخناق… وانتو الاتنين فاكرين نفسكو في سوق؟!
بصيت لهم وقولت:
— اتفضلوا معايا على القسم… حالًا.
وسيّبوا الدكتور يشوف شغله… علشان أقفل المحضر ده!
وقفوا لحظة، كل واحد فيهم ناوي يولّع الدنيا… لكن كلمتي قفلت الخناقه.
الدكتور والفريق الطبي بدأوا يشيلوا الجثة…
ورحت القسم وهم معايا وبدأت أول خطوة في التحقيقات اللي مش عارف هتنتهي زي ما توقعنا وانها موتة طبيعيه ولا ورا الجثه دي جريمه هنحقق وهنشوف






































