لا يخفى على المتابع لمجريات الحياة في مصر أننا بحمد الله وتوفيقه ابتكرنا وببراعة ثقافة جديدة هي ثقافة "اللقطة والتصوير " التي من أبجدياتها حرص بعض المدراء أو المسؤولين في شتى مناحي المديريات والإدارات على تكليف أحد مرؤوسيهم ويطلق عليه مسؤل العلاقات العامة أو المسؤل الاعلامي ودوره ينحصر في أن بأخذ عدد من "اللقطات أو الصور لهم أثناء حضورهم الفعاليات المختلفة, وبالتالي إطلاقها كالميكروبات على صفحات "التواصل الإجتماعي" لكي تلتهم الإعجاب وتحصد التأييد, ومن ثم تشهد لهم بالإخلاص والتفاني في العمل, والتي ربما تكون شهادة لواحد "مشفش حاجة", لأنه وببساطة لا يُعلم المجهود الحقيقي الذي يُبذل في جوهر العمل ومدى اتقانه والالتزام بمواعيده وجودته في الخفاء بعيداً عن الكاميرا, وبالتالي يتوه التقييم الحقيقي بعد أن يترجم إلى مجرد البومات يمكن تقليبها على الشاشات بالأصابع دون عناء أو جهد يذكر للقاصي والداني.
وتبعاً لذلك قد يرقّى موظف او تُصرف له مكافآت أو تُمنح له امتيازات بناءً على حجم المعروض له من لقطات الفهلوة, فيما يحرم منها موظف آخر يعمل بإخلاص بعيداً عن ثقافة "اللقطة".
ومن المؤسف جدا تتسلل هذه الثقافة خصوصاً في الحقبة السابقة لمديريات الخدمات الجماهيرية وبالذات التربية والتعليم لتصبح ثقافة "اللقطة" هي الأهم وهي المؤشر الذي يحكم العملية التعليمية من رأس الهرم إلى القاعدة المتمثلة في كثير من الإدارات التعليمية لتمتد أيضاً لبعض المدارس خصوصاً الحكومية والخاصة او التجريبية. وهنا تكمن الخطورة. إذ أن المعلم الذي يلتقط عشرات الصور يومياً لتلاميذه في الحصة, بالتأكيد لا يجد الوقت الوقت الكافي للشرح والإيضاح والمراجعة بعدما أضاع وقت كبير في ترتيب الأولاد وتزبيط الكاميرا ومراجعة الصور.. الخ
أما المصيبة الأعظم, فهي افتعال بعض أولياء الأمور "المساكين" لبعض المشاكل مع المعلمين بسبب أن ابنه أو ابنته لم تظهر في "اللقطات"!
هناك مثل يقول "إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده".. وعليه فإنه لا مانع لبعض اللقطات الأسبوعية لطابور الصباح في المدرسة أو لتحية العلم أو للتكريم أو لبعض الأنشطة التي يمارسها الموهوبون من التلاميذ تشجيعاً لهم وتحفيزاً لأرواحهم الغضة ولكن ليس في الصفوف وعلى حساب وقت الدرس والتعليم.
وإذ تحولت حياتنا لأعداد هائلة من اللقطات التي توثق معظم تفاصيلنا لنعرضها على صفحات التواصل الاجتماعي كنوع من كسر الملل والمباهاة الفارغة, فإنه من المرتجي والمأمول والمنتظر أن نحمي حصوننا التعليمية ونجنب آخر قلاع الحضارة لدينا مثل هذه السلوكيات المشينة.
اللهم إني بلغت.. اللهم فاشهد!