تسكبُ فنجاناً من قهوةٍ تركية بوجهٍ مكتملٍ كالبدر، فنجانٌ غريب مقهور مظلوم، منفيٌّ مع بقايا من لفظتهم أوطانهم!

تجلسُ في أشهر مقاهي الغربة وتحتسي ذلك القدح الذي يشي بالغربةِ أيضاً، تذكرُ يوماً رفعت به صوتها الأنثوي في وجه الخنوع، رفضت ذلاً ونكست رايةَ الهزيمة، يومَ أن أماطت عن وجهها قناع العيب تحت ذريعة الحرام وأيقظت صوتاً قد أخرسوه...

قتلوها وأحيتها الغربة في برزخٍ لا تشم فيه ريحَ الوطن، قذفوها بالشبهات وبرأتها الغربة، قالوا لن تفلح فالبنات خُلقن فقط للمطبخ، هنّ فلحن ونجح هو بين الأواني!

ترتشفُ ما تبقى من الفنجان، وتهرب هناك إلى حيثُ نتائج الثانوية العامة في ١٩٧٥م، حصلت على مجموع يدخلها كلية الطب، ولكن القيامة قامت حين أخبرتهم بذلك، فكيفِ لامرأة بلا حول ولا قوة أن تتحمل نكسات الغربة ونسائمُ الشباب الفتية، ترأف أمها بحالها فتجهز لها أوراق السفر خفيةً وتغامر بإرسالها هناك، وتقامر بتكهن الأسباب التي ستزينها لإخبارهم بها...

تسافر، تحقق الحلم، تصبح طبيبة مشهورة، تسرقها الغربة، تموت أمها، تندثرُ حارتهم، وتسرقها الغربة، تذبل القهوة في الفنجان، يبهت مذاقه، وتسرقها الغربة!