تخرجُ من البيتِ متذمرة، تنفثُ زفيراً حارقاً، فمن يمتلك الحقَّ بمنعها من العمل، أين الخلاف إن لم يكن هناك ما يعيقُها في المضي قدماً؟!
وأين الثغرة طالما الزوجُ موافق؟ إذن لماذا الغمزُ واللمز ورمي اللومِ هنا وهناك ممن ليس لديهم سلطةً عليها؟
تُغادر البيت بعد جدالٍ حاد مع حماتها التي تؤمنُ بأن الشهاداتِ مجردَ أوراقٍ تُضيف لقب ( متعلمة) لجملةِ مواصفاتِكِ كعروسٍ مثالية لذاك العريسِ اللقطة ابنُ أمه!
تشد معطفها وتسير في الشوارع خبط عشواء بينما تمطرُها السماءُ ماءً وأمنياتٍ هاربةٍ من سطوةِ السحب!
يُلَوّحُ لها مقهى مركونٌ على حافةِ الطريق، تستجيب لنداءاته؛ فتدخل، ثم تصدر طرقعةً باصبعيها مناديةً النادل، تطلبُ الاسبريسو وتسرحُ بفضفضاتٍ مع الذات...
موظفٌ آخر يقوم بوضعِ القهوةِ في الفلتر، يضغطها جيداً، ثم يثبت الفلتر بالآلة بعد أن هدر صوتها وسكب قليلاً من الماء، لحظات ويقطرُ المستخلص الرهيب الذي ما أن فاحت زيوته العطرية حتى اشتهى فنجاناً يُعدّل به مزاجه الذي أمالته طلباتُ الزبائن.
يصلها الفنجان الشفاف الرقيق بقهوةٍ مرة حامضية، ورغوةٍ لطيفة عذبة تُنسيها ثمة جدالٍ قد وقع...
لم لا تكن كالقهوة سمراءَ رقيقة، مرة عنيدة لكنها حلُمُ الجميع..