توقدُ النارَ من أخشابٍ حصلت عليها من أبواب بيت جارهم المنكوب، تُضرمُ النار ويشتعلُ لهيبُها، بينما تُحضرُ ركوةً مبتورةَ المقبض، تضعُ الماء على قدر فنجانيْن ثم ملعقتين من البن الداكن، تحرك على مهل وتضعها فوق اللهب المستعر، وتجلسُ أمامَ النار تستجدي الدفء والأنس، وتنتظر...

تهرول الخطى فقد تأخر الموعد، صديقتها تنتظرها فلم ترها منذُ النزوح الأخير، وقد دعتها اليوم لاختلاس فنجان قهوةٍ قبل مجهولٍ مضني، تُنصتُ لصوتِ هديرٍ محلق، تُسرع، الخوف يسبقها، تتعثر؛ فتقف، وتنفض الغبار عن هديتها لتلك الصديقة، تتحسس الهدية لتتأكد من سلامتها، تتابعُ السير بين أزقة المعسكر المكتظ بالدمار، يرتفع الصوت وكأن الطائرة تلاحقها، تتقدم أكثر فتسمع نداء بعيد يحذرها من الاقتراب أكثر فهناك بيت مهدد بالقصف، لا تكترث لتلك النداءات المتعاقبة، تواصل، ولكن الطائرة أسرع منها فقد سمعت دوي الانفجار الذي صمّ أذنيها، فتحت عينيها على سحابة من الضباب الأسود متنفسةً البارود، تتابع سيرها، تكشف عن هديتها، نصف كيلو من القهوة الداكنة حصلت عليها بأعجوبة في ظل تلك المجاعة! تصل حيث العنوان، تصل لكنها لم تجد أحد في العنوان غيرَ ركوةٍ مبتورة وحطام!