يُشعل اللهبَ على ركوة القهوة المبتورةِ المقبض، يُذيب ملعقتين من البن الغامق في مياهها الباردة ويحرك إلى أن تغلي؛ فيسكبها في قدحه الشفاف، يحملها متجهاً نحو شرفته حيثُ يرقدُ هناك للكتابة...

يرتشفُ الأولى؛ فيظهرُ البطل، يُلبسه قميصاً ذا ياقةٍ عالية وبنطالاً أسود من القماش، يُشذب له ذقنه، ثم يرش على كفيه بضع قطرات من كلونيا ثلاث خمسات، يفرك كفيه ببعضهما ثم يمسح بهما وجهه وذقنه، يُمشط له شعره الناعم، وأخيراً يحمله كتاباً كان عليه إرجاعه إلى المكتبة، فلم يجد فيه ما يجذبه.

يرتشفُ الثانية؛ فيجعل البطل يسرح ملياً بعنوان الكتاب وغلافه القاتم "سجنُ الحرية"، كيف يكون للحرية سجن؟! ما قيمتها إذن إن قُيّدت وقيدت أقدامها نحو سردابٍ مظلم؟!

يرتشفُ الثالثة؛ فيفتح البطل الكتاب، يبدأ بالقراءة، يجدُ نفسه أسيراً بين صفحات الكتاب بعد أن كان حراً منذ لحظات وذا قرارٍ حازم، فما السطوة التي جعلته يكمل؟

يرتشفُ الرابعة، تشده إحدى الجمل "الحرية ليست سوى أحجية معقدة إن تمكنت منك ستقودك إلى سجن كبير وإن تغلبت أنت عليها ستحيا كما تريد"، راقت البطل الفكرة؛ أخرج دفتر ملاحظاته وجلس على إحدى المقاعد الخشبية في الحديقة المجاورة؛ فدوّن أولوياته، فكر وخطط، شطب تفاهاتٍ كان يقوم بها سابقاً، ألغى مواعيداً وعقد مواعيد أخرى، فك زر ياقته العلوي، شهق زمرةً من الأكسجين، وزفر معتقدات خاطئة...

يرتشفُ الخامسة؛ فيكملُ الكتاب إلى نهايته ليجد أن الحرية هي هوس بيدك أنت أن تجعله حقيقة وبنفس اليد قد يصبح حلما بعيداً بل معجزة!

يرتشفُ أخيراً بعد أن وصل البطل المكتبة وهو في حيرةٍ من أمره هل يعيد الكتاب أم يحتفظ به؟!

يحاول الارتشاف لكن لم يتبق المزيد؛ فيعيد البطل الكتاب ويتخلص من أسره ويستعيد حريته التي سلبت منه لسويعات...