في منتصف نيسان، حين كانت الأرض تئن من أثقال الحرب، كنت أمضي على طريق لا نهاية له، دربٍ محفوف بالغياب، لا يَخرج منه أحد كما دخل. أطلقوا عليه "طريق الموت"، وأنا كنت أعبره بجسدٍ منهك وقلبٍ لا يتوقع شيئًا سوى النهاية. لم أكن أظن أنّ للحياة متسعًا لتفاصيل أخرى غير الانتظار أو الرحيل.
لكن، هناك... على حافة اللاشيء، رأيتها.
لم تكن عابرة سبيل، بل عابرة قدر.
فتاة لم يُشبه حضورها أي شيء من العالم الذي أعرفه، كأنها انبثقت من بين الدخان والركام كنورٍ لا يشبه نور الشمس.
لم أدرِ إن كانت صدفة، أم خيالاً رسمه عقلي المنهك. كل ما كنت أعلمه أنني رأيت جمالاً أربكني، جمالًا لا يُشبه المألوف، ولا يقبل التجاهل. لحقت بها كما يُلاحق العطشان ظل الماء، وكأنها كانت تعرف مسبقًا أنني قادم.
كانت نظراتها أهدأ من الحرب، وصوتها لم يُسمع، لكنه اخترقني كهمسٍ يسري في العروق.
لم تقل شيئًا، لكن قلبها قال كل شيء.
في لحظة، شعرت أن السماء خُلقت لأجلها، وأن الأرض انتظرت دهورًا لتحتضنها، وأنني كنت مجرد إنسان تائه حتى أرسلها الله على طريق الموت… لتعيدني للحياة.
أيتها التي سكنتني،
أيّ سرّ هذا الذي يحمله حضورك؟
لماذا لم تخبريني من قبل أنك تسكنين هذا الكون؟ لماذا لم تتركي لي إشارة، أو حتى حلماً أستعد به للقائك؟
لقد امتلأت بك. امتلأت بك لدرجة أنني لم أعد أرى في الدنيا سواك.
كل ما فيكِ يدفعني للإيمان أن الجمال ليس زينة عابرة، بل رسالة… وأنك رسولة الجمال في زمنٍ شاحب.
كنتِ صمتي حين عجزت عن الكلام، وطمأنينتي حين ارتجف قلبي.
لم أطلب منك أن تقولي شيئًا، لكنني تمنّيت لو بحتِ لي بكل شيء. عن حزنك، عن طفولتك، عن خوفك حين تنطفئ الأنوار، عنكِ… فقط عنكِ.
لقد قال لي أحدهم ذات يوم:
"المحظوظة هي من تظفر بحبك، وتُصبح ملكة في عالمك الصغير."
ضحكت حينها، ولم أجب، لكنني علمت اليوم أنّ الحظ ليس لمن يربح قلبًا، بل لمن يجد من يشبه روحه.
وأنا وجدتكِ… تمامًا كما تمنيت، بل كما لم أجرؤ أن أتمنى.
لو سألوني عن النعيم، سأشير إليكِ.
ولو سألوني عن الحياة بعد الموت، سأقول: كانت هي.
وجهكِ وحده غيّر مساري، أعادني من منتصف الفقد إلى بداية الأمل، وجعلني أصدق أن من الطرق ما يفضي إلى الحياة، حتى لو أسموه "طريق الموت".