قلبي ليس ساحةً لمن سقطت في وحل خيبةٍ عاطفية، ولا ملاذًا لكل من اعتادت التنقّل بين الأرواح بحثًا عن تسلية مؤقتة.
قلبي ليس مشاعًا…
بل هو وطنٌ صغير، لا يسكنه إلا من فهمت أن العلاقات تُبنى كما يُبنى البيت، حجَرًا فوق حجر، وصدقًا فوق صدق.
هذا القلب، تربّى على قيم الحب الواعي، والصداقة الصادقة، والعشق المتبادل الذي لا يتغذّى على وهمٍ، بل ينمو في تربة الحقيقة.
فيه عُشّ نُسج من طين الأجداد، وسُقي من روح الأحفاد، تظلّله سماء الإنسانية، وتحميه ذاكرة النضال والكرامة.
أيعقل أن يُختزل هذا النبض العظيم ليكون مجرّد "حقل تجارب"؟
هذا القلبُ خَبِر السياسة، وخاض معارك الوعي، وتشرّب من ينابيع الثقافة، لا يتهاوى أمام كلمة معسولة ولا يُخدع ببريقٍ عابر.
هو قلبٌ يحفظ للحرف هيبته، وللكلمة معناها، وللموقف وزنه، قلبٌ لا ينهزم عند أول انكسار، ولا يرى الفشل إلا محطة من محطات الصعود.
نعم، مرّت به عواطف متسرّعة، ومرت به نساءٌ هائمات، لكنّه اجتازهن بثبات، وتعلّم أن الحب لا يُولد من احتياج، بل من وعي، وأن النضج لا يأتي من كثرة التجارب، بل من عمق التأمل.
نحن لا نصلح لأن نكون أدواتٍ لتجارب الآخرين، نحن نبني الإنسان — الإنسان الذي يرفض التمييز بكل صوره: عنصريًا كان أم جهويًا أم طائفيًا. نبنيه ليخوض غمار الحياة الديمقراطية، حياة المدنية، بحرية وكرامة وسلاسة.
وذات صباح، وأنا أغالب تعب الطريق، استوقفتني امرأة مسنّة، بدت كأنها خارجة من زمنٍ قديم، قدّمت نفسها باسم (مريم)، وقالت لي بصوتٍ دافئ كأنه قادم من رحم الأرض:
"يا بُني، لا تكن حقل تجارب… وإن لم تكن، فكن مظلةً، مظلةً ناجحة تأوي من قصدها بقلبٍ مفتوح، وعقلٍ راجح."
عندها فقط، شعرت أنني أسير في الدرب الصحيح…
درب من اختاروا أن يعيشوا بكرامة، أن يحبوا بعقل، أن يبنوا علاقاتهم كما تُبنى الأوطان: على أساسٍ متين، لا يهتزّ مع أول ريح.