إنه صباح رائع، يشبه ابتسامتك التي تشرق في وجهي كلما تذكرتك. صباحٌ مختلف، كأنما وُلد من رحم الطبيعة ليقول لنا إن للحب صدى في كل شيء حولنا.
استيقظت على أنغام الطيور الحزينة، على أصوات تختلط فيها الشكوى بالرجاء، بينما المطر يهطل بطريقة لم أعهدها من قبل، غزيرًا، متدفقًا، كأنه يغسل ذاكرة القرية من غبار السنين. مياه الأمطار تجري في الجداول الضيقة، تتسابق نحو الأراضي المنخفضة، فتلمع تحت أشعة شمسٍ خجولة تحاول أن تخرج من بين الغيوم. الأطفال يركضون حفاة في الأزقة، يضحكون وهم يلهون في برك الطين، يرسمون على صفحة الماء وجهًا جديدًا للفرح.
الطبيعة هنا لا تعرف الانتظار؛ زهور الأرجوان تستعد لتفتح أوراقها، وأشجار الزيتون تقف في صبرٍ شامخٍ كما لو كانت تحرسنا، أما زهرة الشمس فهي تدير رأسها باحثة عن دفءٍ صادق. للحظةٍ، خُيِّل إليّ أن الفصل قد تبدّل حقًا، وأن الخريف الماطر قد انسحب أمام زحف الربيع المزهر.
أكتب إليك والقلم يندى بقطراتٍ صغيرة كأنها تستمد رطوبتها من ماء المطر، أو لعلها دموع فرح خفية تسكبها الطبيعة على قصتنا. هذه الأرض تعرفنا، تحترم حبّنا، وتبارك العلاقة التي وُلدت هنا بيننا. فحبنا لم يكن طارئًا، ولم يهبط علينا من فضاءٍ غريب، بل نما مثل سنابل القمح في الحقول، وغنّى مثل الطيور عند الفجر، واشتدّ مثل جذور الأشجار العتيقة.
الشباب هنا في قريتنا يعيشون في صراعٍ دائم مع أحلامهم. كثير منهم ذاقوا خيباتٍ مريرة، وكثير من العلاقات العاطفية انتهت قبل أن تبدأ، لكنها لم تكن عبثًا؛ فقد تركت فيهم أثرًا، وجعلت قلوبهم أكثر حذرًا. لكننا نحن اخترنا أن نكون استثناءً، أن نكسر هذا الإرث من الانكسارات، وأن نحول خيبة الماضي إلى بذرة فرح جديدة.
لقد تربينا هنا في القرية ذاتها، في المدرسة الصغيرة التي جمعتنا على مقاعدها الخشبية، وعلى الميدان الذي شهد لعبنا وضحكاتنا، وفي ليالي السمر الطويلة حين كنا نتسامر تحت ضوء القمر ونصغي لقصص الكبار. كل هذا صنع بيننا رباطًا لا يمكن أن ينفصم، وصار انتماؤنا إلى هذه الأرض دفاعًا عن ذواتنا قبل أن يكون دفاعًا عنها.
العلاقة العاطفية ليست اندفاعًا أعمى نحو الاكتمال، ولا أحلامًا حالمة بالنجاح وحده؛ إنها وعيٌ بالرحلة بكل ما فيها من احتمالات. نحن ندرك أن الفشل قد يكون مصيرًا محتومًا لمن لم يثق بالآخر أو لم يثق بنفسه، لكنه ليس نهاية، بل تذكير بأن الحب يحتاج إلى صدقٍ داخلي، وإلى صبرٍ طويل، وإلى شجاعة لا تخاف من السقوط.
إن الحب هنا يشبه المطر الذي يغمر القرية: قد يرهق الأرض أولاً، لكنه يمنحها خصوبة تجعلها أكثر قدرة على الإنبات. وهكذا نحن، قد نتعثر، لكننا ننهض لنزهر من جديد. فليس المهم أن نخشى الفشل، بل أن نحوله إلى جسر يقودنا نحو علاقة أكثر رسوخًا، وأصدق في معناها.
وهكذا، حين يزهر المطر وتبتسم القرية، ندرك أننا لم نكتب قصة عابرة، بل صنعنا ذاكرة، ستظل تروي للأجيال أن الفرح، مهما غاب، يمكن أن يعود إذا وجد من يؤمن به
ويحرسه.