السيدة التي أستأجر منها شقتي، امرأة ستينية تُظهر للجميع أنها قوية وقاسية؛ حادة الطباع، دقيقة الملاحظة، لا تهتم إلا بما يرتبط بمصالحها. لذلك يعيش من يسكن في بيتها على قدر من القلق والحذر.
لكن مع مرور الوقت تكشّفت لي جوانب أخرى لا يراها الناس فيها. فكل يوم أسمع وقع الحبوب وهي تُنثر من شرفتها العليا، ثم أرى الطيور تُحلّق من أشجار الشارع وأسلاك العمارات المجاورة لتتسابق نحو المكان في مشهد بليغ ومؤثر. في البداية خُيّل إليّ أنها مصادفة، مرة ثم ثانية وثالثة، حتى أدركت أنها عادة راسخة تخص نافذتها وحدها.
وفي كل مرة أقف في شرفتي وأصغي لذلك الصوت، أشعر أنه يخدش الصورة القاسية التي كوّنها الآخرون عنها، ويهدم الأحكام المسبقة التي تُثقل الناس. كنت أبتسم كلما رأيت الطيور تتجمع واتساءل:
كم حقيقة كامنة في قلوب الناس تكسر قسوتهم؟