الدم الذي سفكته ميليشيا الإرهاب في حق المواطنين العزّل، لن تغسله خطب المصالحة الزائفة، ولن تمحوه بيانات الحياد المريب. فالتماهي مع قتلة الشهداء خيانة عظمى لدماء الرفاق، وجرح مفتوح في ضمير الوطن. سنظل متمسكين بمبادئنا، لا نهادن جلادًا، ولا نمد اليد لمن جعل الموت مصيرًا، والسلاح قانونًا.
الحق المسلوب من المدنيين بقوة الرصاص لا يُسترد بالصمت، ولا تُصان الكرامة بالمراقبة من بعيد. نعلم أن درب الخلاص محفوف بالمآسي، لكننا سنمضي فيه، نبذل الغالي والنفيس لوقف نزيف الدم، وإيقاف الموت المجاني، بكل الوسائل الممكنة، لأن هذا الشعب الطيب، الذي يحلم بحياة كريمة واستقرار دائم، يستحق منا كل التضحيات.
إن بناء السلام لا يكون إلا بحوار حقيقي، تتفق فيه الأطراف المتصارعة على آلية عادلة، تضع حداً لهذا الخراب، وترمم النسيج الاجتماعي الذي تآكل تحت ركام الحرب. لكن، حين يبيع الساسة ضمائرهم، وينحازون لمجرمي الحرب، يتحول الصراع من سياسي إلى عبثي، وتصبح آلام الشعب وقودًا لمزيد من الانقسام.
مع مرور الوقت، انكشفت حقيقة ما ظنناه صراعًا على السلطة، فإذا به أعمق وأشد ظلمة. فالدعم السريع لم يحمل السلاح من أجل الديمقراطية كما زعم، ولا من أجل خلاص موهوم من "دولة 1956" كما ادّعى. كانت تلك شعارات جوفاء، تتهاوى أمام سيل الجرائم التي ارتكبت بحق الأبرياء في الخرطوم والجزيرة والجنينة ونيالا وسنار والضعين، وغيرها من المدن التي ذاقت ويلات دخولهم.
لم يكن هدفهم إلا القتل والنهب والاغتصاب وتدمير البنية التحتية، وإعادة رسم خريطة السودان بالدماء. لقد عملوا بوحشية على تفكيك الدولة إلى دويلات، وحققوا ذلك في أكثر من مكان، ولا تزال مناطق عديدة ترزح تحت سيطرتهم.
السودان، الوطن الجريح، لا يزال ينزف من شقوق الماضي، ومن جراح لم تندمل منذ انفصال الجنوب. أثبتت التجارب أن لا وحدة تُبنى على فوهة بندقية، ولا ديمقراطية تُفرض على إرادة شعب. فكل مشروع وُلد من رحم العنف، قُدّر له أن يسقط في أول اختبار للسلام.
الآن، أكثر من أي وقت مضى، علينا أن ننصت لصوت العقل، لا لصخب البنادق. علينا أن نستمع لآهات الثكالى، وأن نقرأ وصايا الشهداء. فالعدالة ليست ترفًا، ولا الكرامة حلمًا بعيدًا. إنها حق، والحق لا يُباع، ولا يُغفر لمن استباحه.