الكتابة ليست مجرد فعل نؤديه في فراغ، إنها امتداد للروح، ووشمٌ نتركه على صفحات الحياة. فمن يقرأ كثيرًا يعرف أن القراءة وحدها لا تكفي؛ هي مثل استنشاق الهواء، تمنحنا الحياة، لكن الكتابة هي الزفير الذي يعيد للعالم شيئًا من أنفاسنا.
كل نص نقرؤه هو لقاء مع عقلٍ آخر، وحياة أخرى، وتجربة قد لا نعيشها نحن، لكننا نتذوقها من بين السطور. ومن هنا تنشأ الرغبة العميقة في أن نحمل أقلامنا ونكتب، لنصنع نحن أيضًا حياةً تستحق أن تُقرأ.
لقد تغيّر العالم. لم تعد المسافات تعني شيئًا، ولم يعد الزمن يعجز عن جمع الأفكار. العالم اليوم أشبه بقرية صغيرة، تُدار بخيوط من الضوء والبيانات، وكل ما يُقال أو يُفكَّر به يمكن أن ينتقل في ثوانٍ إلى أقصى الأرض. ومع ذلك، يبقى القلم –سواء كان حبرًا على ورق أو لوحة مفاتيح– هو الجسر الذي يربط بين الإنسان وفكرته، وبين التجربة وذاكرتها.
في الماضي، كنا نسمع أكثر مما نقرأ، ونقرأ أكثر مما نكتب. كان الصوت سيد الموقف: خطبٌ، وحكايات، وأحاديث تتناقلها الألسن. أما اليوم، فقد دخلت الكتابة في سباق مع الزمن، وتفوقت أحيانًا على الإذاعات والشاشات، لأنها تمنح القارئ فرصة أن يتوقف، ويتأمل، ويعيد الفهم، ويحتفظ بما قرأه.
الكتابة ليست حكرًا على الأدباء الكبار أو الصحفيين المحترفين. هي حق للجميع، بل واجب على من يريد أن يترك أثرًا. لا تنتظر أن تكون الظروف مثالية أو أن تجد الوقت الفائض؛ اكتب ولو في ازدحام يومك، اكتب في دفتر ملاحظاتك، على هاتفك، أو حتى على ورقة متسخة، المهم أن تدع فكرتك ترى النور.
كل بداية متعثرة تحمل في داخلها بذرة الإتقان. لا تخف من الأخطاء اللغوية أو الأسلوبية، فهي معارك صغيرة على طريقك نحو أن تكون كاتبًا أفضل. ومع كل سطر جديد، ستجد نفسك أكثر قدرة على صياغة الأفكار، وأكثر وعيًا بقوة الكلمة.
السلام لكل من عشق الكتابة، والسلام أيضًا لكل قارئ يعرف قيمة ما يقرأ. ففي النهاية، نحن نكتب لنُقرأ، ونقرأ لنكتب، وهذه الدائرة الجميلة هي التي تجعل الفكر حيًّا، والحرف خالدًا.