تمطر السماء…
لا مطرًا فحسب، بل حُبًّا ناعمًا
يتسلّل من بين الغيمات،
يرتّق الشقوق في قلب الأرض اليابسة،
ويبعث الحياة في ترابٍ اشتاق إلى العناق.
يا وردتي،
أينما كنتِ الآن، تأكّدي أنني أشتاق...
أشتاق إلى لحظةٍ كنا فيها نحنُ فقط،
نقتسم الدفء كأننا نُشعل مواقد الكون،
ونتبادل النظرات كأننا نكتب الشعر بصمت.
أتذكّركِ...
وفي الذاكرة تتفتح ابتسامتكِ كزهرة صباح،
تتشابك أناملكِ مع أصابعي،
فتقف الجوارح إجلالًا لمقامكِ،
وتغمرني رعشةٌ لا تأتي إلا من الحب الصادق.
تعود بي الرائحة...
عطرُكِ المفضّل،
ذاك الذي امتزج بأنفاسي
كلما احتضنتكِ فاحت الذاكرة.
وكنتِ تسرّحين شعركِ كمن ينثر القصائد،
كأن كل خصلةٍ تحمل قصة،
كل خصلةٍ… حضارة، وجد، ولهفة.
كنا نسمّي ذلك "الحبّ المخضرم"،
ذاك الذي لا يعرف عمرًا،
ولا يعترف بقيودٍ فرضها من لا يفهمون.
كان جنوننا يقودنا إلى الشرفات العالية،
إلى الشاطئ الرملي،
إلى غابات البان، حيث لا أحد سوى الأشجار
يصفق لحبّنا.
لم نكن نكترث بنظراتهم،
نظراتٌ تتخفّى خلف قيمٍ مزيّفة،
وتنضح كراهيةً لعلاقةٍ أنقى من ضميرهم.
ثم جاء النفي،
قرارُ القرية القديمة أن أرحل،
أن أُجبر على مغادرة طفولتي،
وأحلامي التي ترعرعت في الأزقة الضيقة،
فقط لأنني أحببتكِ كما يليق بكِ أن تُحبّي.
خيّروني:
أنتِ… أم البقاء؟
فاخترتُكِ، واخترتُ الرحيل.
مضيتُ،
أحمل في قلبي شوارعنا،
وأحلامًا بين أكتاف رموز الدولة،
ومحطاتٍ من الألم والكرامة.
ما بقي من عمري…
سأعيشه بكرامة،
سأكون أنا…
سأبني نفسي، وأحمي أسرتي،
وأحمل عشيرتي في قلبي.
لن يُسلبني أحد هذا الحق،
وإن حاولوا…
سأقاوم،
حتى آخر نفسٍ في صدري.
وسنلتقي —
ذات يوم،
في المكان ذاته،
والزمان ذاته…
ولن أرى حينها
إلا وجهكِ.
---
أنتِ الرحمة،
أنتِ الحب،
أنتِ الحياة،
أنتِ الجمال.