يا صديقي، ألا ترى ما يعيشه المواطن من ضيق؟ لقد أرهقته الأسعار، وتاه في دوامة الغلاء حتى بات لا يدرك ما تعنيه قيمة الجنيه السوداني، ولا كم يساوي أمام العملات الأجنبية، فكأنما فقد الجنيه صوته ووجهه، وصار كظلٍ بلا ملامح.
لسنوات، لم تفلح سياسات الدولة الاقتصادية في إنقاذ الجنيه من الانهيار، ولم تتعظ الحكومات المتعاقبة من تجارب العالم. ألم تمر اليابان، بكل عظمتها، بأزمة اقتصادية خانقة في العام 1974؟ لكنها نهضت خلال خمس سنوات، لأنها امتلكت الإرادة والرؤية والخطة، فحوّلت التحدي إلى نقطة انطلاق جديدة.
أما السودان، فلم يحظَ يومًا بحكومة تفطّن لحجم الأزمة الاقتصادية، أو تضع أسسًا حقيقية لبناء اقتصاد وطني ينهض من رماده. كل حكومة تأتي، تكون أسوأ من التي سبقتها، وأكثر بؤسًا في فهم الاقتصاد والإدارة الرشيدة. ولسوء الطالع، ما زالت الدولة تتخبط، وكأنها لم تدرك بعد أن الاقتصاد هو ركيزة الاستقرار الأولى، وأن لا مشروع وطني سينجح دون منظومة اقتصادية قوية تُشبع الحاجات وتفتح أبواب الأمل.
لقد أصبحت تجاربنا مع الحكومات المتعاقبة مختبرًا للفشل، وتجريبًا في مصائر الناس، ولذلك ليس غريبًا أن ينظر المواطن إلى كل قادم جديد بعين الريبة، وقد نضبت ثقته في وعود الشعارات البراقة.
جيل المقاومة اليوم لا يسعى فقط إلى إسقاط الطغيان، بل ينشد دولة تُمكِّن الإنسان من حياة كريمة. فإن شبع الإنسان، هدأت دوافع الثورة، وصارت المطالب منطقًا لا حنقًا. أما إن جاع، فإن كل نضال لن يُفهم إلا كصرخة في وادٍ بعيد.
إن إنقاذ الجنيه السوداني من هذا التردي، يتطلب قرارات شجاعة، لا تُبنى على الشعارات، بل على دراسات واقعية ومنهجيات علمية تُناسب طبيعة السودان، وتراعي موارده، وتطلق طاقاته المكبوتة. فليس مستحيلًا أن يعود الجنيه إلى مجده، كما كان في ستينيات القرن الماضي، حين كانت له هيبة، وكان يُحسب له ألف حساب.