وقف أمام المنبر بلحيته الحمراء وعينيه الوجلة وصوته الخاشع، وعلا صوته الجهور وهو يقيم الصلاة، اصطف المصلون خلفه صفا صفا، أخذ يدعو ويلهج في دعائه باكيا؛ اللهم نقني من خطاياي كما تنقي الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني بالماء والثلج والبرد... الله أكبر.
أنهى صلاته، سلم على المصلين واتجه نحو الغرفة الخلفية للمسجد، وقف هناك ذليلا خاضعا للذي خلقه، وهو يمد يده بالخير لكل سائل، ولسان حاله يقول لست سوى وسيلة لست أنا الرزاق بل الله.
كان يسير بين الناس وعلامة الصلاة تنير جبينه الوضّاء، تراه وكأنك ترى بدرا منيرا وجهه يشع إيمانا وتقوى، لسانه لا يقول سوى خيرا، ولسان حال الناس الشيخ جاء الشيخ ذهب الشيخ جزاه الخير.
وما أن يصل بيته حتى يصبح شيئا آخر، يخلع قناع التقوى ويعود لأصله، ذئب مفترس، انتقى ضحاياه أثناء توزيعه الصدقات، يتقرب من الأطفال بما لذ وطاب ويكسب ثقتهم وثقة أهلهم، ويغتنم الفرصة، يحيك خيوطه برقة ووداعة ثم ينقض كعنكبوت مفترس، ينتهك طفولتهم ويذبح براءتهم ثم يهندم ثيابهم ويودعهم بقطعة من الحلوى، والبسمة ترتسم على وجهه الذي يعود منيرا كقمر يطل من خلف الغيوم في ليلة دهماء.






































