ماذا لو أنهت شهرزاد الحكاية وأكملتها للملك شهريار؟ أكانت ستُقتل في الليلة نفسها؟
سأحدّثكم اليوم عن أسطورة باهرة… عن امرأة واجهت ملكًا سفّاكًا لا بالسيف، ولا بالجمال، بل بسلاح ألطف من النسيم وأمضى من الحدّ: الدهاء الناعم، والذكاء الأنثوي، والحكمة العميقة.
شهرزاد لمّا علمت بطبع شهريار الدموي، لم تقف أمامه مواجهةً، ولم تتحدَّه، ولم تُلقِ في وجهه خطبًا عن الثقة والحب؛ بل كسرت اللعنة بطريق أعظم دهاء: جعلته هو الذي يختار أن يُبقيها ليلة بعد ليلة… فقط ليعرف ما سيأتي في آخر الحكاية.
لم تتغزّل به، ولم تقل: “أشتاق إلى لقائك”، ولم تُقدِّم الوعود بأنها ستكون “أفضل من جميع من سبقنها”.
لم تفعل كما فعلت الأخريات… ولهذا نجَت.
فلنحلّل شخصيتها إذن في سطور، فقد تعاملت مع قاتل لا يرحم، وأخرجت من قلبه حُبًّا… بينما كثيرات اليوم يعجزن عن التعامل مع رجلٍ غضوب!
فلننظر كيف صنعت أسطورتها:
– *لعبت على نقطة ضعفه*
شهرزاد عزفت على أوتار الفضول في قلب شهريار.
قصّت عليه حكايات مبتورة، كل واحدة تنتهي عند أشد المواضع إثارة.
وبينما كان الفجر يقترب، يقول لها الملك:
“ثم ماذا؟!”
فتجيبه:
“نكمل غدًا يا مولاي…
”.و سكتت شهرزاد عن الكلام المباح ، حين صاح الديك معلنا أن الصباح قد لاح "
لم يُبقِها من أجل جمالها، ولا من أجل الودّ؛ بل من أجل فضوله هو.
كانت تُشعل خياله، وتستثير رغبة السيطرة لديه:
أن يعرف… أن يكمل… أن يسمع ما تبقّى.
هكذا تعلّق بخطاها خطوةً خطوة، لأن عقله ظلّ مستيقظًا يعمل خلف كل فاصلة.
– تحوّلت إلى مصدر متعته وراحته
شهرزاد لم تكن مجرد “حكاية”؛
كانت راحة يومية للملك.
حوّلت لياليه القاتمة إلى فسحة هادئة يعبر بها من ظلمات الغدر والخيانة إلى عوالم الحلم والسرد.
باتت هي المتنفّس الوحيد لرجل أثقلته خيانات النساء، وأحرقته الظنون.
وجودها صار ملجأً ناعمًا يستريح إليه، لا سببًا للغضب والانتقام.
- كانت الحكايات علاجًا… لا تسلية
نحن امام عقل أسطورة ولا اروع الأساطير "شهرزاد"
لم تروِ قصصًا عبثًا؛ بل كانت كل حكاية تحمل مغزى، وكل مغزى يسقط على جرحٍ في قلب شهريار، حكايات عن الخيانة، والكرم، والخوف، والغدر…
كانت تُداوي أوجاعه من بعيد، دون أن تلمس جرحه مباشرة، ودون أن تتحدّاه أو تُذكّره بما يؤلمه، وهذا ذكاء لا يقدر عليه إلا القلائل.
نحن أمام أسطورة ذكاء… لا أسطورة عشق
شهرزاد علّمتنا أن الرجل –مهما اشتدّ طبعه– يمكن أن يُقاد بالحكمة لا بالمواجهة، وبالفطنة لا بالصراخ، وبالفهم لا باللوم. فلم تتشبّث به، ولم ترجو بقاءها، ولم تبكِ لأجله…بل جعلته هو الذي يتشبّث بها.
من غير تملّق… ومن غير استعطاف…
بنَت في قلبه ألفة، ثم اهتمامًا، ثم ارتباطًا، حتى صار عاجزًا عن إيذائها كما فعل بغيرها.
حوّلت رغبته في الانتقام إلى حبّ، وغلظته إلى رقة، وقسوته إلى تعلق.
نعم… ستظل شهرزاد أسطورة تتوّج قمّة الهرم الأنثوي.
ستظل رواية تتناقلها الأجيال،
تخبرهم كيف انتصرت امرأةٌ ضعيفة في الظاهر،
بقوة الحكاية، وعمق الحكمة، وسحر العقل.
فبدلًا من أن تموت في الليلة الأولى…
خلّدت اسمها لألف ليلةٍ وليلة.






































