النقد شغف وإبداع، إلى جانب كونه انطباع و ذائقة، فالنقد ليس مهنة من لا مهنة له.

أن يحظى عمل ما بقراءة نقدية وافية لهو تتويج لتعب المبدع ومعاناته في تجربته الإبداعية؛ أدبية كانت أم فنية، فالمبدع لا ينقل كلاما مدونا بداخله، بل تعتصره شحنات وانفعالات تجد طريقها رغمًأ عنه إلى الورق أو المادة التي يشكلها أو على خشبة المسرح، وقد تتفلت من بين أصابعه إن اعتقد خطأ أنه قادر على إرجاء فكرة التدوين إلى الوقت المناسب،

فوقت الدفقة الشعورية هو الوقت المناسب، قد يؤرقك في منتصف الليل ليدفعك المخاض إلى لحظة ولادة إبداع خرج للتو من رحم التجربة الشعورية لينبض ويصرخ بكل المشاعر المكبوتة ويخرجها إلى النور.

يتلقف الوعي من اللاوعي، والمتلقي المأثور بالأدب والتثقيف يجد متعته في سطور تنفذ إلى وجدانه، ثم يأتي ناقد واع يدرك قيمة الإبداع وحجم المكابدة فيستشعر فضل المبدع عليه، فالإبداع سابق للنقد وصاحب الفضل عليه، والنقد؛ هذا العلم الواسع بمدارسه وأعلامه ومرتكزاته ومراحل تطوره لم يكن ليرى النور إلا من خلال بؤرة المبدع. وليس أقل من أن يعطي الناقد العمل حقه من القراءة والتحليل ويستشعر هيبة

الكلمة في محراب السلطة الممنوحة له ليقدم أفضل ما لديه إجلالا للعمل الذي بين يديه، وتكريما للمبدع صاحب الفضل، واحتراما للمنصة التي ينطلق من خلالها سواء كان منبرا ثقافيا أو مواقع تواصل أو غيرها من الوسائط، كذلك تقديرا لنفسه ووقته الذي قضاه في متابعة العمل قراءة أو مشاهدة أو استماعا.

لايعني المبدع إن أعجبك العمل أم لم يعجبك، فكلا الأمرين عنده سواء، وهو محض رأي وذائقة لك كل الحرية كناقد أو متلقي أن تشعر كيفما تشاء تجاه أي عمل، لكن مايهم المبدع هو أن تعطي عمله حقه من الاهتمام، وإن كنت لا تراه مهمًا فلا تتكبد مشقة النقد، بل يكفيك ما عانيته في قراءته أو متابعته، ولا يحق لك أيضًأ أن

تأخذ من وقت من يستمع إليك أو يقرأ لك؛ إذا خرجت رؤاك في صورة هزيلة ركيكة تفتقر إلى الحس الإبداعي في الصياغة فتكرر نفسك وتصيب من يتابعك بالملل والغثيان، فإن كنت لابد فاعل، فعليك كمتلقي تتصدى للنقد؛ وإن لم تكن ناقدا بالأساس، أن تعطي النقد حقه واحترامه وتقرأ في مناهجه ومدارسه وأن تتفهم ماهي عناصر نقد أي عمل أدبي أو فني، وتشبع كل عنصر بالبحث والتحليل وتذكر نقاط القوة ونقاط الضعف فتخرج الوجبة دسمة شافية وافية ممتعة،

  فأحيانا يكون الاستمتاع بالنقد مساويا إن لم يكن أكثر من الاستمتاع بالعمل نفسه.