نحن مخلوقات الرياح أحرار مثل الرياح، فانزع كل ما علق بك من أدران وأطلق روحك.

أريد روحك فقط وحدها، أقتنصها من هذا الجسد اللعين الذي هو جسدك. 

أريدها صافية، مشتعلة، بألف لون، وبألف حياة.

كما تعرف، الأرواح وحدها تطير مع الرياح، وتهيم في سماء هذا العالم،لكن لو أنت ألححت على أن تأخذ معك جسدك الفاني ، فستراه يحترق حتما في عالم الجن ، الحر، المتحرر . 

ستظل تترقب، إلى أن يفتح باب المرور.

عند ما تمر، فلن تتذكر أي شيء، فكل حواسك ستنزع عنك، كلها، وخاصة عقلك وذكاؤك.

حاول الكثيرون التنبؤ بالمستقبل، وربما يغير ذلك القانون، قانون ولوج عالم الريح، لكنهم لم يفلحوا في شيء من ذلك.

ستظن أن الأسوأ حصل، لكن ما ستراه روحك، لم يخطر لك على بال يوما ما .

سيتغير أسلوب الحياة السابق، القديم، ستفاجئ بقوانين أخرى جديدة تسمى قوانين الروح !.

 لا يصيبنك الفزع الشديد هكذا، ذلك العالم ليس بالسوء الذي قد تتخيله .

تجلس على عرش هناك،في مدخل الغابة الكبرى، على البوابة ، امرأة سوداء كالليل، جميلة كالشمس اسمها (زمردة ).

رصع عرشها ذاك،باللؤلؤ والمرجان والدم، وخفاشها، حارسها الأبدي، قد ألبسته درعا من الفضة والمرجان،وكان اسمه ( خاش ).

تفضل، اترك روحك تتمدد ليفحصها الخفاش العظيم، ولا تخف وتجزع هكذا، وإلا غضبت منك تلك الجالسة على العرش هناك، فيكون عقابك عسيرا.

ــ لا ــ هي ليست الملكة طبعا، بل هي من أرقى حراس عالم الأرواح.

ـــ لقد تحققت أسوأ مخاوفي .

 ـــ ماذا أتظن أنك تستطيع أن تفرز الأرواح البيضاء والسوداء في عالم قوس قزح ؟.

 أنت لا تعرف حتما أنه لن تمر أمام الخفاش الأكبر سوى الأرواح السافلة، الدنيئة، السوداء.)

الأرواح البيضاء، ستنفجر حينا لتصبح نورا تستعمله الأرواح الأولى اللعينة، لتسير إلى القاع، إلى الظلام.

  ستتخلص تلقائيا من الأرواح الطاهرة المضيئة لما تصل إلى أعلى الجرف العميق الذي لا قرار له، خاصة ،بعدما سمعنا عن الحرائق الصومالية التي أهلكت حوالي نصف مليار كائن حي وكأنها نار جهنم،

وبعدما سمعنا عن جيوش الجراد الكثيفة، العملاقة التي قيل أنها ستهاجم بلادنا، وشاهدنا إعصار التنين الذي جعل السيارات على الطرقات تسبح في الماء، وكأنها لعبا من ألعاب الأطفال،

وبعدما أغلقت المساجد كلها، في العالم أجمع، وأفرغت الكعبة وأغلق المسجد النبوي أبوابه،

وبعدما تم منع كل الكائنات البشرية من الخروج من بيوتها وأغلقت كل المتاجر، وكل المطاعم ورفعت الرحلات الجوية والبرية والبحرية وأغلقت الكثير من المصالح،

كل ذلك جعل الأرواح تهاجر من ضيق المارد اللعين الذي ظل يتجول وحده، حرا طليقا في كل بلدان العالم دون حسيب أو رقيب.

فتفشت الفواحش،وعظمت المفاسد،فكان من الضروري تهجير الأرواح السافلة إلى أعماق الأغوار لتتطهر الأرض مما شابها من مفاسد، بعدما أدمت النفوس،وأبكت العيون، وضيقت الخناق حتى على الهواء في الفضاء.

 وضاقت الأرواح بأوجاعها.

حينئذ ، وبعدما تعبت كورونا من تجوالها الماكر في كل بلاد العالم انبرت أخيرا، توجه الأرواح كل إلى مستقرها .

كورونا كان لديها وجهين ،وكاد كوكب الأرض يفنى وينتهي لولا أن ( زمردة ) طبقت قواعد الحجر الصحي والروحي ، ومنعت الكلام دون ارتداء كمامة وكذلك أوجبت تطهير الأنفاس بمواد هلامية من صنعها، ولكن رغم ذلك نضحت الأرض بجرائم بني البشر، وامتلأت بالسوء وبأفكارهم الشريرة . 

نصبت محاكم الأرواح عن بعد.

كانت (زمردة )كثيرا ما تحاكم أجسادا بشرية ، وتسمع طرطقة العظام وتكسيرها عن بعد ( أونلاين ) قصد تجريدها من الروح،وكانت أشلاء الأجساد متناثرة هنا وهناك وروائح كريهة تنبعث من المكان الذي تتوجه إليه الأرواح السافلة اللعينة . 

لكنها لم تكن لتهتم، شغلها الشاغل كان إنتاج فيديوهات كثيرة يتم فيها تصويرها وهي ترقص وتغني، مرحة مسرورة لما آل إليه حال بني البشر ، تحت أنوار الأرواح البريئة ، النقية، البيضاء..

وكنا نحن مخلوقات الرياح نشاهد ونتفرج ونصفق بعض الأحيان ونستغرب أحيانا أخرى كل ذلك دون أن يسمع لنا صوت، لأنهم طبقوا قانونهم الغريب علينا وأصدروا أمرهم المطاع :

ــ ضع قناعك بقوة على أنفك وفمك واصمت !

منذ ذلك الحين، ومازالت مخلوقات الرياح كلها على قيد الصمت .