أَعْتَرِفُ لِلْحَيَاةِ أَنَّ هٰذَا دَرْبٌ مِنَ الْجُنُونِ، أَنْ تَدُورَ الأَيَّامُ دُونَ جَدْوَى لِأَنَّكَ لَسْتَ بِجَانِبِي، حَاوَلْتُ أَنْ أَسْتَبْدِلَ حُبِّي لَكَ بِالْعَمَلِ، بِالِانْشِغَالِ، حَتَّى بِهَوَايَاتِي، وَلٰكِنَّنِي أَفْشَلُ وَأَنْهَارُ أَمَامَ صُورَةِ زِفَافِكَ، كَيْفَ تَرَكْتُكِ تَذْهَبِينَ لِرَجُلٍ آخَرَ بِكُلِّ جَمَالِكِ وَتِلْكَ الْحَيَوِيَّةِ الَّتِي خُلِقَتْ لَكِ؟ لَا امْرَأَةَ تُشْبِهُكِ قَطُّ.
أَبْحَثُ عَنْكِ، أَنَا الضَّائِعُ بَيْنَ أَزِقَّةِ النسيان، وَوَسَطَ الْحَيْرَةِ أَيْقَنْتُ أَنَّ الْمَرْءَ يُعْشِقُ كُلَّ مَا هُوَ بَعِيدٌ أَكْثَرَ، وَتُصْبِحُ لَدَيْهِ رَغْبَةٌ بِهِ أَكْثَرَ.
وَأَنَا أَرْغَبُ بِكِ وَبِحُبِّكِ كَثِيرًا.
قَبْلَ رَحِيلِكِ بِبِضْعَةِ أَيَّامٍ، أَخْبَرْتِينِي بِأَنَّكِ سَتَتَزَوَّجِينَ عَمَّا قَرِيبٍ.
وَقَعَتِ الصَّدْمَةُ عَلَى قَلْبِي كَأَنَّهَا صَاعِقَةٌ، وَمَعَ ذٰلِكَ فَضَّلْتُ الصَّمْتَ، يَبْدُو أَنَّهُ كَانَ اخْتِيَارَكِ.
حَتَّى يَوْمَ عُرْسِكِ لَمْ أَشْرَبِ الْخَمْرَ، وَلَمْ أَذْهَبْ بَيْنَ أَحْضَانِ امْرَأَةٍ أُخْرَى، وَلٰكِنَّنِي بَكَيْتُ كَثِيرًا، كَأَنَّنِي فَقَدْتُ قِطْعَةً مِنْ رُوحِي.
ثُمَّ أَعُودُ وَأُعَاتِبُ نَفْسِي: لِمَاذَا لَمْ أُحَدِّثْكِ عَنْ حُبِّي؟
مَرَّ عَامَانِ عَلَى زَوَاجِكِ، كُنْتُ أَتَتَبَّعُ أَخْبَارَكِ مِنْ بَعِيدٍ، أَطْمَئِنُّ عَلَيْكِ لَا أَكْثَرَ، إِلَى أَنْ جَاءَ الْقَدَرُ لِيَصْفَعَنِي مَرَّةً أُخْرَى، عِنْدَمَا عَرَفْتُ أَنَّ زَوْجَكِ تُوُفِّيَ فِي حَادِثِ سَيْرٍ.
ذَهَبْتُ لِأُقَدِّمَ لَكِ وَاجِبَ الْعَزَاءِ، وَرُبَّمَا أُقَدِّمَ لَكِ ذَاتِي ثَانِيَةً.
رَأَيْتُ وَجْهَكِ الْجَمِيلَ حَزِينًا وَبَاهِتًا، تَمَنَّيْتُ لَوْ أَضُمَّكِ إِلَى قَلْبِي.
تَرَكْتُ الأَمْرَ هٰكَذَا حَتَّى تَعُودِي لِحَيَاتِكِ الطَّبِيعِيَّةِ، ثُمَّ بَعْدَهَا أُخْبِرُكِ بِكُلِّ مَا يَجُولُ دَاخِلِي.
ارْتَدَيْتُ بِدْلَةً أَنِيقَةً، وَتَهَيَّأْتُ كَيْ أُقَدِّمَ لَكِ ذَاتِي.
تَدَرَّبْتُ أَمَامَ الْمِرْآةِ عَلَى الْحَدِيثِ.
حَسَنًا…
أَنَا أُحِبُّكِ مُنْذُ أَنْ رَأَيْتُكِ، وَكُلَّ مَرَّةٍ أُخْبِرُكِ يَوقِفُنِي شَيْءٌ، مَا هُوَ؟ يَا تُرَى، لَا أَعْرِفُ.
ذَهَبْتُ إِلَى النَّادِي الَّذِي تَجْلِسِينَ بِهِ دَائِمًا،
وَحِينَ اقْتَرَبْتُ مِنْ طَاوِلَتِكِ وَبِيَدِي الْوَرْدُ، نَظَرْتِ إِلَيَّ بِاسْتِغْرَابٍ.
— مَرْحَبًا.
— أَهْلًا بِكَ.
— مَا رَأْيُكِ أَنْ نَحْتَسِيَ مَعًا الْقَهْوَةَ إِنْ أَرَدْتِ؟
— بِالطَّبْعِ.
— وَكَيْفَ عَرَفْتَ أَنَّنِي هُنَا؟
— أَعْرِفُ أَحَبَّ الأَوْقَاتِ الَّتِي تَأْتِينَ بِهَا إِلَى النَّادِي، حَتَّى إِنَّنِي أَعْرِفُ مَاذَا تُحِبِّينَ.
سُؤَالٌ غَبِيٌّ، أَعْرِفُ…
هَلْ مَا زِلْتِ تَشْعُرِينَ بِالْحُزْنِ؟
— إِنَّهُ زَوْجِي، أَلَا يَجِبُ أَنْ أَحْزَنَ عَلَيْهِ؟
— وَلٰكِنْ لِمَاذَا هٰذَا السُّؤَالُ؟ وَمَا هٰذَا الْوَرْدُ؟
— لَا شَيْءَ… كُنْتُ سَأَقُولُ… أَقْصِدُ…
— مَا بِكَ؟
— كُنْتُ أُفَكِّرُ فِي الزَّوَاجِ، وَاشْتَرَيْتُ الْوَرْدَ لِحَبِيبَتِي كَيْ أُخْبِرَهَا.
— مَنْ هِيَ؟ قُلْ.
حِينَئِذٍ نَظَرْتُ إِلَى عَيْنَيْكِ، وَانْعَقَدَ لِسَانِي،
وَتَرَكْتُ الْوَرْدَ عَلَى الطَّاوِلَةِ وَذَهَبْتُ.






































