الفصل الأول: رائحة التراب والحبر العتيق
في أزقة المدينة العتيقة، حيث يتعرج الضوء الخافت للفجر عبر نوافذ الأرشيف المغبرة، تجلس ليلى وحدها في غرفة ضيقة تفوح منها رائحة التراب الرطب والحبر القديم. يداها، الناعمتان كورود الربيع، تلامسان صفحات صفراء متآكلة، حوافها تتفتت كأنفاس تئن تحت وطأة الزمن الطويل. الجدران المتشققة تحتضن صناديق خشبية متشققة، تحمي أرواحاً ورقية تنتظر من يوقظها، بينما صوت قطرات المطر البعيدة يعزف لحناً حزيناً يتردد في صدرها كإيقاع قلب مدينة لا تنام. مع حلول الليالي الطويلة، كانت ليلى ترقص رقصتها الهادئة مع الوثائق، تمسح الغبار بلطف كأنها تعيد الحياة إلى أجساد من الورق حيث وجدت نفسها تتتع خطوطاً مائلة بخط يد مرتجف، كلمات تروي قصصاً من زمن الظلام. لكن شيئاً غامضاً أثار توتراً خفياً في روحها، كأن الصفحات تهمس بتحذير مكتوم.
في مقهى قريب حيث تسترد روح الحاضر وهي ترتشف قهوته الدافئة بينما تتجول بعينيها في تفاصيل لا يلتفت اليها احد عادة ، التقت صدفة بمؤرخ عجوز ذي عينين غائرتين كآبار التاريخ الدامسة حيث تتجول الحقائق كظلال أرواح تائهة تنتظر من ينتشلها إلى النور ،كان صوته يرتجف وهو يتحدث عن "التلاشي الخفي" الذي يهدد كل شيء، وعن شباب يغرقون في بحر الشاشات اللامتناهي دون أن يدركوا عمق الهاوية التي يتجهون إليها،وعن قلقه العميق مما يتعرض إليه هؤلاء من زيف حول تاريخ بلدهم عبر هذه الشاشات التي وسمها بالمخابرتية. لينتش في روحها بذرة الشك التي راودتها منذ فترة وهي تقاارن مضامين الورق العتيق وماتصادفه من مضامين حول نفس الموضوع في العالم الرقمي، مادفعها لعقد العزيمة نحو تحقيق سري.
انطلقت ليلى كظلٍّ يتحرك بين المدن، تلتقي خبراء أرشفة يهمسون عن إهمال ممنهج، وعن حملات صامتة تحول الذاكرة الجماعية الجزائرية إلى بكسلات مشوهة، صيغ رقمية خاطئة تنتشر كالسموم على منصات التواصل....
ترى من وراء ذلك ومالغرض منه؟
يتبع...





































