اليوم الثالث من عيد الأضحى..
لا شيء مباحًا ليقال ولا حتى ممنوعًا لأفض غشاء كتمانه وأعلنه..
هدوء وسكينة، ملل وكآبة.. لكن هناك رغبة مستعرة داخلي في الإفاقة من أوهامي وأحزاني.. استيقاظ في السابعة صباحًا.. السابعة؟! نعم؛ فالجيران لديهم أطفال سِمَاج..
أطفال ولا شياطين الجان، من الفجر يفيقون ليمارسوا جنونهم على خلق الله.. لا شيء يردعهم.. لا زجر ولا عنف ولا حتى صريخ أمهم المعتوهة ببلادة: يا أولاد.. هيا للداخل، وإلا فمصيركم الضرب بـ«شباشب صاروخية»!
ويؤذَّن للظهر ونحن على المنوال ذاته أنا والجيران وأولاد يقال إنهم أحباب الله!! على سبيل التغيير طهوت اليوم لحمًا (كباب حلة) ومكرونة بالصلصة مع خلطة من ثوم وشطة..
لا داعي لذكر ما فعلت أو قالت أمي.. يكفي أنها تترحم على المأسوف على شبابه.. من دعت عليه أمه ليكون نصيبي ذات ليلة بلا نجوم، ليلة مشؤومة يسميها الناس ليلة الزفاف.. تعشقني أمي وتثق بي.. لا داعي للقسم.. أعرف.. أعرف!! ولكي لا أفكر في من خذل قلبي وقهر روحي..
بعد أن شاخت الحياة في عينيَّ خلال أيام..
كان عليَّ تناسِي هذا، فبدأت في الانتشار وسط الدائرة العنكبوتية.. وجدت كتبًا قيمة لمحامٍ مشهور بكتابات سياسية، اسمه «منصور عبد الحكيم»..
قرأت له ورقيًّا، ما شجَّعني على تحميل باقي كتبه لأقرأها وأعمِّر مخي من سوس نخره وخراب عشش فيه تحت اسم «العشق».
سويعات.. بل لتحري الدقة هي مجرد دقائق.. وتهل الساعة الثانية عشرة، منتصف الليل، ولم أكتب فضفضتي لليوم..
لكن.. كيف أكتب وأنا لا أعرف ماذا أكتب أو حتى ما يدور في خلدي لأقوله وأعبر عنه؟!
ما زالت غضبة من أحببته يومًا تحرق قلبي، خاصة أنه من أساء الفهم والتفسير ثم عاد ليلوم ويلقي التهمه على كاهلي قائلًا:
يبدو أن زمن الطُّهر ولَّى يا سادة، والأستاذة حبيبتي السابقة تعاقبني على حسن نواياي.. لقد ظهرت حقيقتها، وبان لبها عندما صهرت الشمس زيف زخارفها.. تعيب ما هو أصل في وفيها وتقول: الزمان والأيام وأهالينا..
ألا تعلم تلك الجاهلة أن العيب فينا وأن هذا الزمان هو مَن فيه وُلدنا وتربينا.. هذا الزمان هو مَن شكَّلنا وشكَّل أهالينا، هو ما أشبعنا ومِن مداده ارتوينا؟! تريد ثورة؟! أي ثورة؟! ولأجل من؟!
هل صدقت ما ننسجه من أوهام في القصائد والأغاني؟!
هل أثور لأجل من رفضها الجميع لأعيش فقط فيها؟!
هذا الحائر أوجعني ويوجعني بُغضًا لنفسي وللدنيا مع كل ثانية وكل كلمة ينطقها..
كم وددت لو كنت قد سجلت له كل ما مررنا به..
لأريه كيف كان شخصًا آخر غير هذا الذي أراه الآن أمامي!!
كيف يتحوَّل الإنسان في لحظة من نقيض إلى نقيض؟!
من شخص صاحب قيم ومبادئ إلى شخص يبتهج بمديح المتاجرين بالمبادئ والقيم بسماجة من يمارس العهر..
ويظن نفسه أكثر ذكاء من أن يفشي سره.. كيف سقطت من ملكوتك الملائكي لتكون مجرد بشري يُخطئ ويُخطئ؟!
بالتأكيد ليست الظروف؛ فهي على الجميع تفرض غباوتها..
لكن كيف تحول الظروف الشخصية إنسان إلى آخر مناقضًا لشخصه الأول؟! لم أعد أهتم أو أرغب في المعرفة..
تعبت وفقدت رغبتي فيه وفي الدنيا..
أريد فقط أن أرحل من هذه الدنيا..
أو على الأقل أذهب إلى مكان لا أعرفه ولا يعرفني فيه أحد لأضيع مع ذاتي.
في اليوم الثالث مما يدعون أنه عيد الأضحى.. لا أرى غير قهري وغبائي وسوء الظنون المحيطة بي.. لا أرى سوى أشباح كانت منذ أيامٍ أحلامًا معلقة في نجمة أعلى سحب السماء، لكن تحطمت سفنها على صخرة سوء الظن واللامبالاة لتصير مجرد سراب وأوهام، في اليوم الثالث من عيد حاولت رسم بسمة فرح على شفتي شخص ظننته يعشقني.. فكبلني بضعفي وبصق حبي..
اتهامات تشوه وجهي وروحي لعلَّه يدمر من يظنها الآن ماردًا من نار جاء ليخطفه ممن يراهم الأحق الآن بعشقه بعد أن كنت حبيبة وأم وكل الدنيا..
بعد أن خيبت ظنه بأفكارها العقيم وغيرتها اللامحدودة بسبب أفعاله هو غير المسؤولة، التي قبل أن تشوهه، فتتتها بعد أن شوهت ما فيها من جمال الروح. وهكذا انتهى اليوم الثالث بحزن ما زال يختبئ في الحشايا جنينًا يتغذى على الجسد ليملأه صديدًا وجروحًا، تمر الأيام كأرنب بري ومعها تفر البهجة كحصان بري..
وتختنق الفرحة وسط دموع الخيبة فيضيع العيد.. بسبب غباء تملكنا نحن الاثنين، وعندٍ وصبيانية أفعال متبادلة من طرفينا.. ونضيع كما ضاع كثيرون سبقونا وكثيرون سيأتون بعدنا.. لتُسقَى شجرة البؤس ببراءة مَن عشقوا وكسر فيهم الخاطر أيًّا ما كانت الأسباب..
تزهر وتتعمق في الأرض أكثر وأكثر حتى يوم الساعة..
يوم يفصل الله بين العشاق ليجمع من صفَّى النية، وينتقم ممن ظلم وبيَّت على الفرقة متعللًا بالدنيا.