صباح مشرق، جهزت الأم مائدة إفطار شهية بيض عيون وأخر مخفوق، مربي نوعان فالابنة الكبرى تعشق مربي الفراولة والأخرى تذوب في مربي المشمش، فول وطعمية لزوم البيت المصري، جبن بأنواعه زبده عصير طازج للأبناء، وقهوة مضبوطة للأب المتعجل دومًا وكعادته انصرف بعد ارتشاف القليل منها، تناول الأخ فطوره وانصرف خلف أبيه والصغرى ظلت تلعب بشوكتها تذمرًا على إيقاظها مبكرًا فلم الذهاب للجدة مع الأخت الكبرى؟ ما فائدة هذه الزيارات العائلية؟ لا تعرف لم يجبرهم الأب على ذلك وهو ذاته لا يقم بها؟.
دخلت الكبرى متزينة ببساطة، قبّلت الصغرى بحنان قائلة:
- لا تتذمري يومًا ستكبرين وستندمين على مضي هذه الأوقات، وستكبرين بعدها أكثر وتتمني أن يأتيكِ الأحفاد فرحين مهللين لا ساخطين كحضرتكِ، ارسمي ابتسامة عذبة وحلي لسانك ببضعة كلمات ستكون لكِ حبل أمان عندما تصبحين "ماما الحاجة" يا شقية.
- لا أريد عندما أكبر سأذهب بنفسي لبيت العجزة ولن أدع أبنائي يمنحونني الفتات مثل أبيكِ وعمتكِ، سأذهب طائعة لن احتاج لأحد وأدعو الله ألا يحوجني لغيره.
- افعلي الخير ولن يحوجكِ الله لغيره، ثم هيا اعتبرِ أنها تدريب حتى تستطيعي التعامل معي عندما أشيخ ويصيبني الزهايمر وأنساكِ أم ستتركينني للغريب يتولى أمري.
- لا أنتِ حبيبتي أختي وأمي التي تكبرني بخمسة عشر عامًا جميلة، أنتِ من منحتني منذ مولدي كل ما هو جميل، سأزوركِ مع أبنائك يا حلوتي.
- أبنائي.. لا مكتفية أنا بكِ دعينا من هذا الأمر واعتبرِ جدتكِ سر الحياة فهي من منحتنا أبانا حسنًا.
- تغلبينني بمنطقكِ حسنًا لكن لن نتأخر، ستأتي معي بعد الزيارة لاشتري فستان جديد، أين أنتِ فيما تركزين هكذا؟!
كانت "أمل" أثناء حديث أختها الأصغر "غرام" قد سحبت جريدتها الصباحية تقلب فيها لعلها تجد جديدا يخرجها من بوتقة ملل استعمر أيامها منذ سنوات، أخبار عن ذبح.. قتل.. اغتيالات.. تفجيرات.. حروب سياسية وأخرى أهلية ذرعت فتنه بين القلوب قبل العقول.
حين لاحظت أختها شرودها عنها كانت قد ثبتت نظراتها على صورة ملونه نجم سينمائي تحيط به المعجبات مبتسمات للكاميرا، وهو كنجم ساقط من كوكب أورانوس يقف بينهن في شموخ وفخر كما لو كان البطل المظفر الذي فتح أسوار عكا وحررها من صهيونية مستبدة منذ قرون.
ابتسمت بهدوء وهي تُري أختها الصورة قائلة:
انظري الفتيات الحالمات يسبحن وسط سحب ناعمة تعلو الأبراج العاجية للواقع جدفن بما يمتلكن من أحلام تذبحهن مستقبلا لباقي حياتهن البائسة، انظري كيف ينظرن له بهيام وإعجاب منقطع النظير، لم لا يصرخ فيهن شخص ما قائلا: لا تحلمن يا فتيات، فكل ما تتخيلن وتتأملن يتبخر، كما طيران عطر زهيد الجودة، عن جسد عامية أنهكت من الحياة، لا تعشقن مخذولا من الحياة فيهديكن جرحا لا يزول.
- هل لازلتِ تفكرين به يا "أمل" بعد كل ما حدث بينكما وبعدما تركِك عند أول محطة وصول ليستقبل أخرى تساعده في محطاته التالية؟!
- تعلمين أنني انتظرته بعدها لعله يفيق ويعود، لكنه تركها وترك غيرها، كثيرًا ما أود أن اصرخ في الجميع، أتمنى لو أقول لهم:
استمعوا لنصحي فجرحي ينزف قيحا بروحي ويضخ القلب جحيما لجسدي ويرسل المخ إشارات من سعير تناديه بالاستسلام عله يحصد ساعة إجابة وببركتها يهنئ براحه في رحاب الله تنجيه من نفس ماتت تدعي الحياة بابتسامة ضعضعت زواياها وصمود من مياه تتبخر، قلبي يقتلني وإدعاء الحياة ينهش فيه بشراهة، وذكري من أحب تنتأ الجرح دوما لتخرج روح مشوهة من قبر عفن الأنفاس، ألا الرحمة أرجو فلا أحد معي إلا الله.
- دعيهم يحصدون جزاء ما يزرعون هو وهن وهم والكل كليلة، لم تعذبين نفسكِ بتتبع أخباره إنسية يا أختي الكبيرة الحكيمة، تقولين أنني لازلت في العشرين ولا أدري شيئا عن أمور الدنيا ماذا عنكِ يا من بلغت خمسا وثلاثين عاما.
- بلي... خمس وثلاثون خريفًا في غيابه، أنا حكيمة في كل شيء إلا أمور الحب وشان القلب أختاه، لو رايته الآن لبكيت بين أحضانه وأخبرته بكل ما يجيش في صدري.
- وما الذي يجيش في صدركِ ويمنع نسيانكِ إياه بعد عشر سنوات، ماذا ستقولين له بعد كل هذه السنوات، بعد أن أضعتي زهرة عمركِ في انتظار من لن يأتي؟!
يومًا سيأتي وسأعترف له بأن رغم نجاحاتي في عملي وتحقيقي كل طموحاتي إلا انه فشلي الوحيد، نقطة ضعفي، وبأنه من سكن الفؤاد، سأحذره مني وأخبره أن يخشاني فتحت الرماد بُركان هائج، بل سأطمئنه وأطلبه منه منح قلبي زيف الأحلام، كل ليله أهاتف طيفه قائلة استحلفكَ بالله أبحث عني..
أدعوكَ بأغلظ أيمان المؤمنين كي تُشعرني مدى فقدكَ إياي، يا من أهواه سافر عبر الكلمات، تجول بين شطحات العبارات، أذرف أحرف عشق ملتهب، وأنزف أنات يتجلى فيها وجدك بأشهى الثمرات، يا عشق عذبني قربه أشعرني بوجودك رغم غيابك، أمنحني دفئاً يفتت قهري، ذوبني في بحار المتعة مصحوبة بلذة همسكَ..
يا شهدي المُطعم بالحنظل شاهدني ذكرى ناعمة، اسمعني شدو حاني، تكلمني بوح لطيف التأثير، ليته هُنا لأحكي لهَ ما حدث ويقيني مما جرى ويجد راحتي الضائعة وسط همهمة البشر الشامتة واللائمة، أنا يتيم أشتهيهَ كعك مُزين بالسُكر.
- ماذا إذا قابلناه عندما نخرج الآن هل يمكنك نسيان كل ما فات واحتضانه يا غريرة القلب؟!
- ربما وربما اصرخ فيه يا عاشق الفاتنات؛ ملكاتك العاشقات بانتظار تجليك لتمنحهن ماسه تسكن بين شفتيك تريح ذعر عشقهن لظلك وترضي غرور افتنانهن المحموم بلحظ صوتك الفتاك ليغلفهن عطر أنفاسك وجسدك بحرارة الحياة تعقبها لمسات ثملة تفتش عن كنز مخبوء بين الأغصان يليه ما يليه لا يهم فحينها الكل بالكل سكران.
- أختي قلبي فزعً يتوجس خيفة، أعتقد أنكِ تعيشين وهم الحب الصعب، تتوهمين أنه باقٍ على العهد رغم البعد، وأن أنينه وشدوه كله إليكِ، ويا ربي ألطف أعتقد بأنه موجه لسواكٍ يا ثكلى الروح قبل القلبٍ، فأفيقي من أوهامكِ قبل الموت على عتبات حفل زفافه.
- فقط أتمنى أن يحتوي خوفي وحنيني قبل حبي وحبه، لكن كيف أفهمه وقد أوصد أبواب حنينه، ولازال نبض القلب يُثرثر بأنه المقصود بأغانيه، يهمس لي بأنه واثق من تأثير بسمتي على ذاك الحزين المقهور، وبغرور يظن أنه قادر على قلب كفتي الميزان ليرجح كفة السرور، أن يزرع الفل والقرنفل ليترك قلبه مجبور.
- واهمة اسمعي للعقل ولا داعٍ أن تتسببي في أن يبيت خاطركِ مكسور، فأنتِ قبلنا تعرفين كم الإشاعات عن زيجاته المتتاليات.
- ها أنتِ قد قلتِ إشاعات، أتعلمين كتبني وإياه ألف.. ألف رسالة وفي لحظة احترقنا، لذا أبكيه قسوة ولكنني افتقدتني فيه، ليلي ودع السهر، نهاري صاحب الضجر، وبينهما طُحن الأمل في لقاء يُطيب ما فيَّ قد قُهر، هل يحق لي العتاب فقلبي لا يحتمل تشعرين بما في داخلي "غرام" أعلم أنكِ دوما الأقدر على هذا!!
- أنهى الأمر بفرمان أحادي فلا تستجدي فتستحقري.
- لا أرغب في الابتعاد ودومًا أسعى لأي شيء يجعلني أقابلة دون افتضاح أمر شوقي.
- تعلمين جيدًا أنه وبعد كل هذه السنوات لم يبق إلا البعاد.
- الوطن هوية وبطاقة تعريف، جذر مُصاحب للروح حتى الممات، أرض وأهل وحبيب، بغياب أحدهم يصير قبر بلا مبالغه أو تقليل، وهو كان وطني، يا ربي دعني أتحرر من وجعه قليلًا فقد تنجو روحي وتعود مرة أخرى للتحليق في فضاء الحياة.
- لا تتشاءمي اتركِ أمر قلبكِ لعقلكِ وستنجين من كل هذا.
- اعلم أننا مُنعنًا من التشاؤم ولكن ماذا أصنع بنفسي وقد تطيرت من روح في الحياة تهيم بلا رادع أو دليل، فلقد أطفئت نيران الشوق وقناديل الحنين، ثم طمست مشاعل اللهفة، لتُدفن مدينة العشق في قعر بحر الواقع منسية.. حتى إشعار في الغالب لن يأتي، لا تحبي صغيري ففي بلادي لا حق للفقراء في الحياة لكن ربما سمحوا لهم بموت سريع..دهسًا على الطريق أو نزفًا على يد طبيب أو تزاحمًا على أساسيات الحياة، وفي الغالب تسابقًا على أنبوبة أو ربمًا ثمنًا لمحاولتهم الحياة، أما نحن الأغنياء فلا حق لنا في الحب تعويضًا عما نفعله في من هم أدنى منا شأننا ومكانه، العشق يا أختاه للفقير والغني مجرد إسراف، للفقير نعمه ضنت عليه بها الحياة، وللغني ضعف يوقف مراكب المصلحة، العشق لمن في حب الإله دفن الحياة في حضن المصلحة وعاش في البراح ملك
- ليت الأمر ثبت على وجع يوم انفصلتما ولم نصل للوجع الحالي تزيدين مع الأيام وجعًا.
- ما يذبحني نظرات معارفنا وهي تتساءل: أين ساهركِ يا ليل حزين؟! دومًا أشرد لثوانِ ثم أجيب هامسة نادته نداهة بيت الجيران، شهته بحلو كلماتها وحسن عذب المنبت، فهو وكإشارة صامته على فراغه من قبري بني فوقه عشه وفرش صك بدء تعارفنا سجاد إيراني لاستقبال حبيباته، أغلقت كل الأبواب أمامه علني أنل قسط ولو ضئيل من الراحة ولكن حتى الراحة تعاندني وتبكي فراقه، ليتني عن الكون أخفيته ولم أشجعه على تحقيق طموحه.
- عذرٌ أقبح من ذنب، لأنه خائن سقط سريعًا.
- كثيرًا ما استيقظ صباحًا ابحث عن هاتفي لعله قد أرسل رسالة يؤكد عدم نسياني، فقط كل ما أرادته أن اقرأ كلمة "وحشتِني".. "افتقدتكِ".. "ليلي عتم دونكِ" أو أي كلمة ترادفهم لكنه بخل ومنحني البرد ليختل توازن دفق دمعي الصامت ويزيد، هو يعلم أني في انتظاره ورغم علمي أنه لن يأتي.
- ألا يؤرقكِ كيف استطاع استبدالكِ وأنتِ للآن وبعد سنوات عدة توالت بعده كلما تقرب أحدهم منكِ ترينه يقف خلفه يبتسم لتشردي فيه ويزيد هذيانكِ عن حال الدُنيا والجو وكل الأشياء.
- أنا فتاة تعيش ضد التيار، ضد الحياة، ضد الدنيا، وضد ذاتها، لذا دوما مجروحة القلب والروح، ولأني من رواد النيكتوفيليا فأرى نفسي ليله، أراني أغرب عقلي في أحضانه ويشرق نور وجدي في عينيه ويبزغ قمر هيامي ليداعب ويتبادل مع عشقه ميلاد ومحاق كشهر عربي.
- حسنًا سامحيه، فبعض الصفح هجر، وأعتبرِ قربك شفع لوتر عشقه الذي أخل به، أخبرتني أن كثيرات قلن له هيتَ لكَ؛ فهات وبات ونام واستيقظ ندمان على صوت عتابكِ.
- استشهدت وريقات قرنفلتي فداء إثبات حبه، همت حوله يجذبني ضياء غرامه فسُلب اللب وشوه جناحاي نيرانه ومن بين رمادي تزعمت ثورة عشق زرعت الورد بأحشائي ليمنحه بعد الشهد عطر وجمال، عله يومًا يتذكر من ضحى بها على محراب شهرته لكنه لم يفعل.
- هل تفتقديه كثيرًا؟
- لا لم أفتقده أو اشعر بغيابه!! وكيف أفعل وهو ساكن جسدي يشرب.. يأكل.. يتحرك.. يتنفسني وأتنفسه.. يعيش ويحيا عبر أثيري، وحيدة دون عينيه أنا، غريقة دون يديه، صماء دون عبير همسه المُغازل، هائمة وسط الأفكار دون عطر أنفاسه، فلوكه يلاعبها نسيم فجر ربيعي ببرود وصمت، تقتلني أمواج بحرنا السكندري كل ليلة وهي تُدندن بصوت أم كلثوم في أذني: " هجرتك يمكن أنسى هواك.. وأودع قلبك القاسي، وقلت اقدر في يوم أسلاك.. وأفضي م الهوى كاسي، لقيت روحي في عز جفاك.. بفكر فيك وأنا ناسي"
- هي الحياة ويوما سيكون لها أخر، ليته يلمس وتر عشقكِ كما لمستِ سمائه بنبضكِ، لكن لأنكِ ضعيفة في حبكِ باعكِ.
- لم يقصد قتلي لكنه فعل، أحيانًا يكون أفضل حل لنرتاح ويرتاح أقرب من كنا نعتقد أنهم معناَ على نفس النبض أن نثكل أنفسنا، أو نثكله.
- تتمنين موته الآن، غريب أمركِ.
- من قال تمنى الموت ظلم لمعاليه، هو قرصه أذن قبل لقاء وجه كريم لأفند شكواي وأخبره بدموعي كيف زرع نفسك بتجاويف أثيري وطمر أنفاسه في روحي ثم ببساطة رأى بعده شيء مقدر ومصيري ومن حقه أن يتنعم بأحضان أخرى ويرتشف عشق رسمت أجزائه منذ بدء التكوين، فهو يصر على قهر ما بيده ذُبح، قال رسولنا صلي الله عليه وسلم "إذا ذبحتم فأحسنوا القتلة"، وهو يعذبني بدم بارد، يعلم أنني أدور حول حماه، يقلبني الشوق على جمر الهجر، فأجده اُحتل وفرض النفي والجلاء لكل من كُنت أعتقد أنه جذر ثابت بأرض قلبه.
- هكذا؟! ألا لأجل الله وما خلى من أيام وليال وأفعال ترفقت بالقلب من مرارة التجلط ستقتلينني بقصتكِ هذه، بت أخاف من كل الرجال بسببه.
- أتعلمين كثيرًا ما أُنهي دقات الأمل اعترضًا على رحيله، لكن يفزعني أنه ينتظر حب يانع يُنهي وجودي من سجلات ذكرياته وحنينه، معه انتظرت وانتظرت ولم يأتني سوى خيبة مؤلمه معقوفة بجبين حنين خُذل.
- يومًا سيعلو الحق ليزهق الباطل حوافر خيل النور، ستسمو الأرواح وتطهر النفوس وتُنير دنيانا بحب صادق يشفع للغادر والظالم لدى من منهم خُذل وضاع وسط الآلام، اخبريني بعيدًا عن نجمكِ الساقط هذا ماذا تتمنين؟.
- أتمنى محادثة نجوم السماء واستجداء عطفها، أيا أبراج السماء العالية خططتِ بعض من نقوشك الغيبية، ورسمتِ نبؤه قدر مُخططه، كي تتوازى خطوط عرض وطول متعارضة، فتمنحني حب قلبي ذات ليلة حانية، أرسلي إليه خبرية يوما ستجتاحك أعاصير أنفاسي ولن تجد ملجأ سوى تلك الفتاة التي تركتها منذ أعوام من أغرت قلبك، أتمنى لو تسمعه صوتي وأنا اخبره "يا من شكلني بطبع نسمات أنفاسه ودغدغات شفاهه تلك المخبولة المتخبطة الحال ما بين حنان آسر وجنون مطبق يغمر شتات التكوين وبين غطرسة يديه المسيطرة بتفنن رجل عاشق منذ خلق الإنسان، أعشق مغازلتك وإثارة شغفك ثم الفرار بعيدا جداً.. جداً عن مرمى لمساتك، كنت معكَ أنثى القمر بلحظي أشعل الضياء، سيدة الزهر وجميلة ورداته، كنت قناديل الدنيا لشفتيك لهيب حار، نجمه تسحر الليل بدلال عذارى حوريات البحر، كنت وبجنون أغار عليكَ مني فهل لا أغار منهن بل ومنهم؟! غريب أنتَ يا دقة قلبي!! كيف تعتزلني والغرام؟!".
- ألم تتغير مشاعرك وأنتِ كل يوم تري صورة مع أخرى؟!
- أحيانًا أسأل صورته هل تُحبها مثلما كُنت تعشقني؟!، أتذكر كم مرة أخبرتني "عيناكِ منقذتي فآه منها ومنكِ"؟!، أناديكَ في الليلة ألف.. ألف.. بل مليون مرة فهل تسمعني؟!، اعتقد غير مهتم بسماعي وبأنك ستجيب بل اعشقها أكثر، فأنتَ الآن أنضج وأكثر حنكه وخبرة، آه يا لتعس قلبي المخذول دومًا.
- فيما تتحدثان لم.. لم تنهيا الإفطار للان؟!.
- ابنتكِ الكبيرة السبب ظللت اخبرها عن جدوى صلة القرابة والدم وضرورة الاهتمام بالجدة لكنها تعطلنا وتختلق الأسباب لعدم الذهاب كي تذهب إلى عملها كالمعتاد.
- حقًا أنا من كنت أعطلكِ واختلق الأسباب للهرب من الزيارة، حسنًا أمي الجميلة سنبيت الليلة هناك فلا تنتظرينا بل سنظل أسبوعا كاملا.
- هذا ظلم فقط يومان اتفقنا على يومين فقط أمي فلدي حفلة عيد ميلاد "رنا" صديقتي بعد ثلاثة أيام وأريد الاستعداد، هيا يا شريرة قبل أن تورطينا في شيء أخر.
- يمكننا العودة في نفس يوم عيد الميلاد.
- سأخبر أمي عن النجم الساقط ونيازك السماء المحلقة حوله.
- تذكرت لدي عمل هام غدا سنبيت الليلة فقط، وداعًا.
- يمكننا حجز تذاكر لحفلة نجمكِ ونعود في المساء.
- انتهي الأمر كنت له مجرد وسيلة انتهت فائدتها بتحقيق مأربه منها، يومًا قرر إسعادي بشغف لاهث القبلات سارق لهدوء وتيرة الأنفاس ثم بخل علي مكتفياً بقبلة وداع سرقت مني إلية الحياة، ذهب وهو يرى ذاته محترقاً فداء الناعمات المنعمات وسط فرش وثيرة من مجاز وإطناب كلماته لا يدري بأنه جلاد حرفه وتمثيله المصطنع أشد غدراً من سياف إمبراطور غاشم ضاعت إنسانيته على أعتاب مصالحه.
- الإنسانية كل من بعض؛ وبعض من كل، سماء تعطف وتدلل أرض، وأرض تستوعب بحنو لدبيب أنات السماء، الإنسانية سمو خلق وأخلاق، لا ادعاء قهر ظاهر وبالنفس ظلم مخبوء، حب للنفس وللغير لا كره للنفس وإدعاء سعه الصدر لمن في مجال الاستغلال، الإنسانية فطرة لله وفي الله وإلى الله، لا أحب من يدعوا البراءة والتعفف وبكل أثم يراود كهان قد اعتصموا بالقسم المقدس من زيف جراد الحياة، أخرجيه من عقلك، ومن قلبك امحي وشمه، أغرقي نقوشه في روحك، كي تجدي نفسك، أنتِ سحابُ شراعه فدعيه كي تنطلقي في الحياة ببال خالٍ.
- لا يغضبني أنه رحل فكثيرا ما لوح بحقائبه، لا يضايقني كم الأوهام التي نسجها حولي فمعتادة أنا على كسر الخاطر والآمال، لا يحزنني زيف حبه وإدعاء إلوهية عشقهَ فحنانه غطى حتى الحيات، ما قتلني أنه كان الثقة والأمان والآن ضاعت ثقتي في بني الإنسان، كأنني جنيه خُلقت من نور الليل للتجول في بحر الأحلام فقط، بيني وبين الواقع حائط برلين مليء بسوء الفهم، وسور الصين العظيم يفصلنا عن استيعاب متبادل، يا تري.. يا هل ترى من تملأ فراغه الآن بعيدا عن زيف يتفاخر به؟ من تتلقى مكالماته الساحرة وهو نصف غاف عن الحياة؟ من يوقظها في نصف حلمها ليبوح بما غط على قلبه وهو لازال سابح في الأحلام ليستيقظ بعدها ناسيا أنه أجرى اتصالا وما قال ولم ومع من؟
- هل يهمك الأمر فعلا؟!
- بسببه اعلق يافطة فوق جبيني تقول: تريث يا طالب الود فالقلب مثقل بخذلان من استهان بكيانه، مُكفن بمن لسكناه هان، مخذول ممن قال الوداع فاضطرارنا للقبول وأعلنا معه حسنًا ليكن الوداع، ولأنه يظن نفسه فوق الجميع زهد الود واختار وداع خسيس، قائلًا أنتِ أدخلتني عالم النساء فتحملي ذنبكِ وإن كان الثمن دمائكِ وكل ما عليكِ غال، يثير جنوني كلما رأيت صورة الباسمة، كيف عشق هيئتي وهو بركان مكتوم، انطلق بعد ذلك ليفجرني، مجنون أرعن في هيئة عاقل سيعاقب ذات يوم بجنون، بسببه حل أبريل وأينع أقحوان القلب قرنفل أسواد، فأرتد رسول الغرام مستبيحا براءة الكلمات بعد أن شنق عنق شوق إليه بالامتهان.
- لو كان أحب ما كان هان، ليتني أستطيع تصديق أنك بعد تبغضينه بعد كل ما فعلت وقُلت!!
- ماذا افعل وبعده يتيمة القلب أعاني نزف الروح على أرصفة الحياة، ليته ترك صديقي واكتفى بان ذهب العشق ربما منحه القلب السماح، كلما رأيت نظرات الأصدقاء ممن يعرفوننا نحن الاثنان اسمع عيونهم تقول: هذان كانا ولم يبقيا، فقد صارت لقلبه ذكري يعيده إليها ذات فراغ الحنين، هي كانت تسمى حب أول ذات شغف وعشق، لم أطلب منه إلا أمان قربه فتعلل بالظروف قُلت له دعني بالجوار حبيبتكَ لكنه عشق الرحيل قبل اللقاء، المشكلة لا تكمن في أنني تعبت، المشكلة أنني لا أعلم هل كنت على صواب أم خطأ عندما وثقت به وهل يمكنني الوثوق بغيرة؟ لا أظن!! يا الله انسي كل ما قد أخرجته من جعبة ذكرياتِ، هيا أجهزي.
- إذا عاد هل تعودين؟!
- هل نُبش قبر سلفًا فبعث من دفن فيه ومنح حق الحياة؟! كل ما مضى مات..
بدأت من جديد مع نفسي.. ولنفسي فقط.
*.*