وددتُ لو أخبر بائع الورود، الذي أمرّ من أمامه كل شهر في شارع شريف بوسط البلد، أن الأوراق التي يُلقيها عند عتبة دكّانه أجمل من الورود المصطفّة في الفاترينة.
الرجل يترك ما تبقّى من البيع كشاهد على مرور الحب من هنا.
لا أظنّها عادة عابرة؛ فأحياناً أراها مرتّبة بعناية، ورقة بجوار أخرى، كأنها رسالة مموّهة لا يعرف كيف يكتبها.
هذا الشهر، كان اللون الروز هو السائد.
لا أوراقَ حمراء على الأرض، كأن زبائن اليوم قرروا أن يؤجّلوا اعترافاتهم، أو أن مزاجهم رائقٌ بما يكفي لتأجيل الحب للمرّة القادمة.
من سيقنع صاحب محل الورود ألا يلقيها على الأرض؟
ومن سيقنع الزبائن أن شرط المحبّة هو الجَسارة؟
ومن سيقنعني أن أكفّ عن الانتباه بهذا القدر؟
---
كتبتُ هذا التدوينة منذ أربعة أعوام.
اليوم، أعبر من نفس الشارع بعد أزمة اقتصادية تركت آثارها على الوجوه قبل القلوب. صاحب المحل أزال الحجر أو درجة السلم التي كان يضع عليها الورود، واستبدلها بحجر رخامٍ جافّ.
لا زال ينثر وروداً بسيطة، لكنها بهجة رحلت إلى الأبد.. رغمًا عنه، طاقة الفعل غابت.
يُلمح هذا الغياب من استطاع صبرًا.
كان أكرم لصاحب المحل أن يضع لافتة: "العشق زين، بس الهموم سبّاقة".
على بُعد خطواتٍ منه، تجلس بائعة الشرابات المصنوعة من الألياف الصناعية.
لا تناديك لتشتري، تكتفي بالنظر إليك كما لو كانت تتفحّصك.
تزيّن الرصيف بورود بلاستيكية، وتختصر الحكاية والحكمة معاً