اؤمن جليًّا بأن الفكر لا يجابهه إلا فكرٌ مثله، وأعتقد في أن الفكر لا يُدحَض بالقوة، لكن بفكرٍ أصوب منه،
وتظل الأفكار في حالة تناضحٍ فكري مطروح بكل حرية، ودون منع أو حجب لأي من الأفكار، حتى لو كانت غير صائبة، شريطة أن لا تكون بقصد واضحٍ في الإفساد أو الإضرار،
ولاشك في أن طرح الأفكار بكل حرية وفي بيئةٍ علمية هادئة، يصل بنا إلى توضيح الغث من السمين،
وإذا ما حاولنا منع أو حجب الفكر، لمَا وصلنا إلا إلى التمسك بما تم منعه، ولصنعنا من المفكر الذي منعنا أفكاره شهيدًا، يتعاطف معه الناس ويبحثون عن تلك الأفكار.
لكنني اؤمن أيضا بأن النقاشات العقدية بالذات، يجب أن تتم في مجامع علمية، فقهية أو ثقافية بحيث يتناظر الفكر مع الفكر الآخر، الذي يعمل على "بيان" الحقيقة وتفنيد المطروح من الأفكار، دون متابعةٍ لتلك المناظرات من عوام الناس -حيث أن البحث العلمي عن الحقيقة لا يحتاج لتشجيع العوام- على أن يكون هناك مركزًا إعلاميًا يتابع، ويطرح بشكلٍ دوري بيانات دقيقة بالمسائل التي يتم مناقشتها، وماهو الرأي وما هو "بيان" الرد عليه مما يتم تداوله، ثم النتيجه التي يَخلُص إليها الباحثون المتناظرون،
وسنرى حينها، أن النقاش العلمي للرأي المطروح -مهما كان فيه من التشكيك والتأويل والتهويل- لن يكون فيه من التعصب والتعارك الفكري أو الجدال شيئًا، حيث سيكون "البيان" عليه ردًا علميًا واضحًا، وفي نفس الوقت هادئًا متزنًا دون اتهام أو إساءة،
وفي ذات الوقت لا أرى أبدًا، أنه من الصواب أو المنطق نشر الفكر الغير اعتيادي على عامة الناس، عبر ندواتٍ عامة يؤدي نشرها إلى بلبلةٍ فكرية أو عقدية، إذ ليس لدى كل الناس الاستيعاب الكامل لهذه الجدالات التاريخية أو العقدية أو الثقافية، والتي لن يستطيع المتابع غير المتخصص البت في أي من الآراء أصوب،
والتي لن تؤدي متابعته لها إلا إلى زيادة الاحتقان لدى المتعصب، أو التشكك لدى من ليس لديه علم.
إنني لا اخشى طرح الفكر أيًا ما كان وممن كان في أيٍ من الأزمان، لكنني أخشى طرح الفكر في غير مكانه وعلى غير المتخصصين من عموم المتابعين، فتحدث الإشكاليات الفكرية والتناحر الغير محمود بين الناس من غير المتخصصين.