أجلس هاهنا، على شاطئ هذا الأهوج، تسكرني لفحات رياحه الضاربة هدوء روحي حد الشتات، أغمض عيناي، أتسمع صوته الهادر، وكأنما يحمل بين طياته ملايين الحكايا على مر العصور، أسمع أنين الحيارى، الهاربين من الخذلان، ليجلسوا بين يديه، يسكبوا دموع أرواحهم فتختلط بأمواجه الخالدة، تندمج مع مياهه المُحملة بمرارة الشكوى..
تُصفر الرياح القادمة من أعماقه، وكأنها أرواح من سكنوه منذ بداية الزمان، تقص تفاصيل المعاناة والألم، أرواح هائمة، تجوب البحر باحثةً عن مرفأ تهدأ على أعتابه أجسادهم المجبرة على الرحيل، ليحتضنها بقسوته وغموضه..
أُسائله في حيرة تتملكني، من أنتَ؟!
أأنت هذا الرفيق الحنون الذي نلقي إليه بحمول تقض مضاجعنا، وترزح تحت نيرها أرواحنا، فيستمع بإنصات، تغسل مياهه مرارة اليتم والحزن والخذلان فتعيدنا بعدها وكأننا تحررنا من جبال كانت تجثم على قلوبنا!!؟
أم أنت هذا المتغطرس المتعالي، الكاسر جباه الأباطرة، تُلقي الفزع في القلوب مع غضبتك المهلكة، جبال من القسوة تدك الآمال والأمان، حيث لا نجاة ولا عاصم منك إلا الله!؟
تتردد خطواتي اقتراباً منك، تسكنني رهبة لا خلاص منها، تخطو قدمي عنوة مقتربة من أعماقك، وتتراجع الأخرى فهي تعلم أن الغدر من شيمك، يستحوذ سحرك على نفسي، وكأن صوت أمواجك المختلط بهمسات الريح، ما هي إلا تعويذة تتردد منذ الأزل، أحس الدفء بأحضانك، وكأنك حبيب يريد أن ينصهر بين حنايا حبيبه، أطفو مع خيالاتي، أنظر للسماء الشاسعة من فوقي، وكأنما تدثرني، نقطة أنا في سطور الحياة، لا محل لها ولا قيمة، مجرد ذرة تهيم في براح لا نهاية له..
لمسات غادرة تُحكم قبضتها على كاحلي، وكأنها كلاليب من نار، تجذبني نحو أحضانه الثائرة، فزع يسكن روحي، أتشبث بأطراف الحياة وكأنني ما تمنيت الموت يومًا، أحداث تومض في ذاكرتي كألف نجم يولد ويأول إلى زوال في لحظات، يضحك قلبي كمن تتحقق أحلامه، ويصرخ عقلي كمن تلدغه الحياة بأذناب سمومها بلا شفقه، دوامة من مخمل تلتف حول جسدي المنتشي فزعًا، تحمله مع أمنيات النجاة لقاع الجحيم القابع هناك، حيث تشرق شموس، ويبزغ القمر بدرًا منيرًا، حيث أحضانه الدافئة تراودني عن نفسي، فلا استعصم ولا أتمنع، بل أُلقي بجسدي المتعب بين زراعيه بشغف يأسر روحي، أفتح عيناي لأتمتع بنور إشراقه، أخفض رايات مقاومتي، وأرسم أعظم إبتسامه على شفتاي المشتاقه للقاه، ها أنا هنا، هيت لك، أتحسس أنامله الممتده نحوي، أغمض عيناى تأسرني لمساته، يجذبني بكل قوته، يخرجني لأتلقي صفعات الشمس الحارقة وهي تشارك ذرات الهواء الغازية رئتاي لتحرمني من حلم طالما تمنيته..