ترك وحيد الطويلة حياة المقاهي وراقب خيوط الدخان، التي تطايرت هذه المرة تكثف ليهطل فوق الريف، ذلك المكان المكمكم كما كان يصفه جدي، نعم أنا ابنة الريف، لكن الريف الذي صنعه الكاتب عايشنا فيه وكأننا جزء من شخوصه نتفاعل دون تفاعل، نغضب ونضحك ونبكي والكاتب هناك ينتقل من زاوية كنقطة نمش إلى زاوية أخرى حتى وصل إلى أخر نقطة نمش ب في سنواته..
"سنوات النمش"العنوان الذي مزج فيه الزمان بفعل النمش، والنمش هنا رمز لكل كمكمة داخل الشخوص، أم هو التميز الذي يتمتع به بطل الرواية حامل النمش..
استطاع الكاتب أن يحيرنا في تصنيف العمل، هل هو فانتزيا، أم رواية اجتماعية، أم سيرة لاهل الريف الذين سقطوا من جيب الزمان، هل الرمزية والحكايات التقليدية تنطوى على الواقعية السحرية، فعوالم السرد عند الكاتب غنية ومتمردة على القوالب النمطية، تضرب بالبناء التقليدي عرض الحائط، سحر من نوع خاص في سرد الكاتب يجعل القارئ مأخوذا رغما عنه، كيف استطاع الكاتب أن يدمج فى السرد بين الحكايه التقليدية التي ربما يعرفها الجميع أو يتوقعونها وبين الرمزية المعقدة، ليخرج العمل غنيا بالتفاصيل يشغل عقل القارئ، ويجعله يبحث في كل مشهد عن الرمزية فيما وراء الحكاية..
يعلن الكاتب بكل مكر أن العالم خرب يحكمه اللصوص،"لص مش كاويرك، بتوع عشش البط والفراغ" لذلك كانت العائلات تحرص على وجود لص من أفرادها، مجرد ذكر اسمه يجعل له هيبة يخشاه الجميع..
بقعة نمش هذه المرة تقفز عبر السنوات، لتستقر في كل زمان،
العادات والتقاليد بقعة نمش كبيرة في الريف الأب وتحكماته في مصائر أبنائه، حتي أنه يحبس أنفاسهم، العادات عاهات تشوه النفوس، تنثر فيها النمش.
العمة التى تبحث عن زوج خارج أبناء عمومتها، ثورة انثى ترفض نثر النمش في حياتها، تبيع النحاس والبط خلسة لتجهز نفسها وترفع راية العصيان حتى تحصل على رجل..
خول الجنانة، وعصاه التي تراقب بحرص، وتنزل بغواية، في مشهد جني القطن..
موت الرئيس وقانون الإصلاح الزراعي،"هو هيدفن زينا في الأرض"
مشاهد عبقرية، حيرنا الكاتب في زمان الرواية لم يشير له صراحة بل تركه للأحداث يستشف منها القارئ أين هو، أجيال من الجد والأب والحفيد، نثرت بقع النمش أرواحهم وصبغتها
بحرارة شمس العادات والتقاليد..
#لغةالرواية هي البطل الأول تجذبك إلى عالم سحري، يلعب الكاتب قبعته ويخرج منها النمش بقعة بقعة، ليجد القارئ نفسه يصفق في النهاية..
#الغلاف رأس وجسد منثور بهما النمش، ويخرج منهما على هيئة ثعبان بلون أخضر، وتلك هي الكمكمة التى اتحدث عنها، وعندما تتحرر بذور النمش تنبت الأزهار، غلاف عبقري..
#اقتباس
وما أدراك ما الغواية.
ستعرفها جيدًا إذا شاركت أو رأيت مرة مشهدا لتنقية الدودة أو جني القطن، بل تقبض عليه أو هو من سيقبض عليك، ملاحظ الأنفار في الخلف بعصا خفيفة في يده، بعصا ثقيلة مختبئة في جلبابه، أمامه صف من البنات وقد خفضن ظهورهن، تتقافز أمامه فرقة الشياطين الصباحية وصوت شيخ الجامع يدق في أذنه: "من شر غاسق إذا وقب"، حبات العرق على سيقان الصبايا، الجلابيب مرفوعة قرب المنتصف أسفل الماكينة تمامًا، مشدودة كسياج بين المنطلق والمُكتنز، تصنع حزامًا بين المنطقة المحرمة والمنطقة المحرمة جدًّا، في الحقيقة أمامه حشد من قِباب وعليه أن يكون يوسف دائمًا حتى يمر اليوم بسلام، وإن كان ذلك لم يستطع أن يكبح زكريا الذي وجد قُبَّتي حمدية في نصف وجهه، كذب من قال إن الأكل الحاف يربي الأكتاف، يربي بل يكنز أشياء أخرى وأخرى، يحاول كثيرًا أن يغير موقعه، يقول بصوت يسمعه وحده: "لا"، لكنها لا تتركه في حاله، تنط باستدارتها، بدورانها وحجمها في وجهه وتتسرب حرارتها إلى دمه ومباشرة إلى سرواله، تحوم في منطقة عينيه، تدور حوله، تلاحقه، العين رسول في الحب وفي القباب، قالها واحد مجرب وانتشرت، لم يكن الأمر سهلًا عليه، فليمر اليوم على خير، يهرش باستمرار، لم يهرش هذه المنطقة من قبل بهذا التوتر والتواتر ولا حكها بالسرعة هذه، فكر ألا يحضرها للعمل في اليوم التالي ليرتاح، يقترب منها، يتجاوزها حتى تكون خلفه، ينهرها أن تعود لقطف لوزة بشكل أفضل: "اللوزة دي يا حمدية"، ثم بصوت لا يسمعه سواها، وبعين غرقت في كنبتها: "دي يا حمدية، قربت أخلف في قلب القطن"، تضحك في عبِّها، نظرة واحدة منها بطرف عين تجعله ينسى يوسف ويعقوب، وترتب نهاية أخرى للحكاية، نهاية غير التي يعرفها الناس.....