لم يستطع البقاء بعيدا عن ديار الحبيبة فقرر أن يعود، لعله يحظى بنظرة منها، أو يلوح له في الأفق طيفها فيبيت قرير العين هانئا مسرورا.
كانت الشمس تميل ناحية الغروب عندما قرر أن يطوف حول بيتها، سار بخطى وجله؛ ثم فجأة! علت دقات قلبه؛ إذ لمحها مقبلة من بعيد مع صديقتها. افتر ثغره عن ابتسامة استقبلهما بها؛ فبادلته صديقتها ابتسامة أكثر مرحا وإقبالا، وهللت مرحبة به ، لكن عيناه لم تفارق تلك الواقفة بجوارها مختمرة بخجلها ووجلها؛ فغمزت له صديقتها بطرف عينها وقالت:
يا ألف مرحب بالفتى
كم باعدت بين الديار حدود
فكما عهدتك من سنين لم تزل
وجها صبوحا ذو حديث ودود
مالي أراك وقد تهلل وجهك
وتفتحت في وجنتيك ورود
وتراقصت بين الجفون سعادة
من فرطها كانت عليك شهود
وأراك قد جدّتْ خطاك وأقبلت
ما إن رأيت قوامنا المشدود
أتراك خلت بأننا في نزهة
بين الحقول بزهونا المعهود
أم أنه فعل الرجوع إلى الوطن
أضفى عليك من البهاء فيوض
........
لم يتكلم وإنما مدّ يدا مرتعشة ليسلم على فاتنته، وما إن مست يده يدها حتى سرت في جسده قشعريرة فندّت عنه آهة؛ لا عن ألم وإنما عن شوق المتيم وقال بصوت لم يسمعه أحد سواه:
كيف حالك يا حبيبة ؟
أتراك من دوني غريبة ؟!
كم هزني شوق إليك وحيرة
مرت ليال في البعاد رهيبة
عاهدت قلبي أن أضمد جرحه
بجميل وصل عساه كان قريبا
لكنه في كل يوم يصطلي
نار الفراق وأنت أنت طبيبه
...........
لكن تلك المعنية بالغرام كانت ذات حياء وخجل، ومرسوم على وجهها سعادة ظن في بادئ الامر أنها سعادة اللقاء، لكن ...
كانت فتاته بالحياء تلحفت
وتدثرت في صمتها الأخاذ
لكن صديقتها الشقية لاحظت
ما كان يبدو بطرفه النعاس
فتصنعت بعض ابتسام وتمتمت
لهفي على ما قلبه سيقاسي
..............
كانت صديقتها ذكية بالقدر الذي جعلها تفهم حقيقة مشاعره مما بدا عليه من اضطراب، فأرادت أن تنبهه ليستفيق على حقيقة مؤلمة ...
نَظَرَتْ إليها وفي العيون بشاشة
تزهو بحسن جميلة الأعراس
ثم استدارت نحوه مترفقة
وتنهدت وتكلمت بحماس
قالت له وبعينها مكر خفي
هلّا تهنئ حلوة الأعراس
هذى صديقتنا الجميلة قد أتت
تدعو الجميع لحفلها الوناس
وستأتي أنت ..من المؤكد لا تكن
وسط الجميع متراخيا متناس
.........
نزل الخبر عليه كطعنة نافذة في قلب كان يحيه الأمل لكنه من قسوة المحبوب أسلم أنفاس الهوى وراح ينبض بلا روح ولا رغبة في الحياة، فغض الطرف عنهما وولى عائدا يلملم جرحه لعله في يوم يطيب.....
وارى الدموع مخافة أن يفتضح
أمر الهوى في قلبه ويفيض
وبكل حزن راح يرسم بسمة
وصفت بحقٍ حزنه ويزيد
لم ينتبه إلا ودمع قد جرى
فوق الخدود ودمعه لشديد
جمّع حروف "مبارك" ملتاعة
وتولى عنهم تائها مكدود
وضع النهاية للحكاية ولم تكن
أبدا لها بين القلوب وجود