فرغ لتوه من لقاء عابر كان ذات يوم مُنتظر، ظل في مكانه المعتاد، يستقبل كل لقاءاته في هذا المكان المفضل، لاحت من بعيد مقبلة عليه بردائها الأسود، وقف مستقبلا إياها عندما اقتربت منه، احتضن كفها المرمري بكفه المعرّق، بقايا لقاء سابق ما زالت عالقة بالمكان، ورقة مطوية وفنجان قهوة بارد لم يمس، ومقعد ما زال يحمل دفء من كانت فيه قبلها، ارتعاش يده زاد من ثقتها، خلعت نظارتها السوداء بمجرد جلوسهما، أذهله جفناها الكحيلان ونظرتها الحالمة، لم يحتمل سهام نظراتها فقال مستسلما
_عيناك ساحة حرب وأنا أسير
خفضت جفناها بخجل ودلال وتمكن منها الارتباك، عاد بظهره على مقعده وابتسامة نصر تملأ وجهه، اعجبه تملكه لزمام الأمور، أخرج لفافة تبغ من علبة سجائره الملقاة على يمينه بجوار مفاتيحه، وضعها بين شفتيه ولم يشعلها، ما زالت غارقة في ارتباكها تمسح المكان بعينيها علها تستعيد رباطة جأشها فتعاود الهجوم، دخلت في صلب الموضوع الذي جاءت من أجله
_ متى نبدأ؟
بادلها جدية بجدية، قال بلا انزعاج
_متى شئت، ولكن انتبهي فالموسيقى تحتاج لذهن صاف!
ابتسمت، تحدثا في ألوان الفن، وجمال الموسيقى، جاء النادل فأزال بقايا الماضي، ثم أحضر عصيرا طازجا وفنجان شاي، نسمة هواء حركت بعض خصلاتها القابعة تحت قبضة قبعتها السوداء، قال لها
_أطلقي سراحهم وسراحي!
أطلقت ضحكة مغناج فتهللت أساريره، اناملها المرمرية تداعب اطراف الورقة المطوية بدلال، تسللت أطرافه المعرقة فداعبت أناملها، بينما الورقة المطوية طيرها الهواء، وعلى مبعدة منهم امرأة أخرى ترصد ذات اللقاء منذ عام.
#أمل
١٣ يوليو ٢٠٢٢