تُرى.. لماذا جمع بيننا القدر إن كان قدَر علينا أن نفترق؟ ظل هذا السؤال يلح على حلم بلا إجابة تريح قلبها المرهق
أو تداوي روحها الممزقة، وبنظرة أخيرة على تلك الزجاجة التي
تحمل رسالتها أدركت أن ما مر بها لم يكن سوى.. حلم عابر، تنهدت وهي تغادر الشاطئ برفقة فرح التي أرادت أن تواسيها ببعض الكلمات لعلها تخفف عنها ذلك الشعور بالوجع، وهي تخبرها أن كل شئ بالحياة قدر ونصيب، نظرت إليها حلم نظرة مستسلمة وبعض دموع فشلت أن تأسرها خلف جفونها وهي تردد نفس كلمات فرح: نعم.. هو قدر ونصيب.
عندما وصلا إلى المشفى قالت فرح لحلم بصوتٍ حنونٍ:
ارتاحي قليلًا.. فلقد كان يومًا طويلًا.
حلم وقد وجدت ضالتها فى هذه الجملة ربما لتهرب من تلك الحيرة ومن عبرات تحاصر مقلتيها وضجيﺞ مازال يرتع بعقلها وصور لا تغادر مخيلتها: نعم أحتاج حقًا إلى بعض الراحة.
أطفأت الأضواء وأغمضت عينيها وظل شريط تلك الأحداث يتكرر برتابة وكأنه يعيد نفسه من جديد.
مازلت أنتظرك..
مازلت أنتظرك.. مازلت أنتظرك..
بذهول حاولت حلم تتبع الصوت القادم إليها بعمق وكأنه يأتي من بئر سحيق ويكرر نفس العبارة بلا توقف، مازلت أنتظرك.. مازلت أنتظرك.
أجابت بصوتٍ مرتعش لا يكاد يغادر حنجرتها: من أنتَ..؟ من تكون؟ وماذا تريد؟
شيئًا فشيئًا لاحت لها صورته، نفس ملامحه وإنكان لا يحمل نفس الابتسامة، كان الحزن يكسو وجهه ويبدو الخوف بنظرات عينيه، فقالت: نعم عرفتك أنت..أنت.. ولكن كيف؟ رباه.. ماذا يحدث؟ أأنت هنا؟
كيف هذا أخبرني بالله لماذا أنا؟ ولماذا تخبرني بذلك؟
أتى صوته ضعيفًا ثم بدأ يخفت تدريجيًا وهو يردد نفس العبارة: مازلت أنتظرك.. مازلت أنتظرك.. مازلت أنتظرك.
حلم بصوت يائس: لا تغادر.. لا تغادر أرجوك، لا تغادر. فرح بصوت قلق: حلم ما بكِ؟ مع من تتحدثين؟ أفيقي
حبيبتي.. لمن تقولين لا تغادر؟ بنظرةٍ زائغةٍ نظرت حلم حولها
بالغرفة وكأنها تبحث عن شيء ما.
فرح: هل أحضر لكِ الماء؟ أومأت لها حلم بالإيجاب، أحضرت فرح كوبًا من الماء فتناولته حلم بأطراف أصابعها وهي ترتعش وما أن انتهت من رشفة ماء حتى قالت بصوتٍ واهنٍ: كان هنا يا فرح، كان هنا.
فرح بدهشةٍ وتساؤل: من تقصدين؟ من كان هنا؟
حلم: الكاتب كان هنا، وهو يردد عبارة واحدة..كان يخبرني أنه مازال ينتظرني.
فرح بقلق: اهدئي حبيبتي، لا شك أن أعصابكِ مازالت مرهقة من كل تلك الأحداث، ولا تنسي كم الأدوية والمهدئات التي تناولتِها، لا شك أنه قد أثر على أعصابك، حلم: أقسم لكِ أني قد رأيته وسمعته كما أراكِ وأسمعكِ الآن.
فرح وهي تحاول أن تطمﺌنها: حبيبتي.. عقلك الباطن مازال يختزن صورته، وهو ما يكرر صورته أمامكِ، فلا تقلقي.. ستكون الأمور بخير، فقط.. استريحي قليلًا، سكتت لبرهة ثم أردفت: أنظري حولكِ يا حلم.. هذه الغرفة وأنا وأنتِ فقط، حتى أنني أشك أنكِ غفوتي ولو للحظات، أعقبت كلماتها بقولها أنها ستستدعي الطبيب ليعطيها ما يهدئ أعصابها لترتاح قليلًا ، لحظاتٌ قليلة وكان الطبيب يتابع وضعها الصحي.. من ضغط ونبض القلب وصولًا إلى درجة الحرارة، أومأ برأسه وهو يبتسم أن كل شيء بخير وأنها فقط تحتاج إلى بعض الراحة، وأنه سيعطيها بعض المهدئ لترتاح، بالفعل تناولت حلم تلك الكبسولة من يد فرح وهي ترتشف بعض الماء مع نظرة يائسة لفرح وهي تتمتم بشفتيها: صدقيني.. كان هنا، أقسم لكِ كان هنا، وضعت فرح يدها على جبين حلم وهي تبتسم ابتسامة حانية وتقول لها: أنا هنا حبيبتي، أنا معكِ.. فقط ارتاحي قليلًا.
بدأ الظلام يتسلل إلى عقلها رويدًا رويدًا، وبدأت صورة فرح تغيب عن عينيها تدريجيًا وهي تحاول أن تقاوم ذلك الخدر الذي يجتاح كامل جسدها، يبدأ من عقلها نزولًا لعينيها وحتى أطرافها التي لم تعد تتحكم بها، بدأ الظلام يتبدد قليلًا لترى أمامها شارعًا طويلًا يحيط به الظلام من كل جانب، وهي تسير وحيدة وتتقدم بخطوات واثقة وكأنها تعرف إلى أين هي ذاهبة.
بنهاية ذلك الطريق بدأت ترى سورًا طويلًا يحيط بﭭيلا راقية، والأشجار تحيط بالسور بكثافة مع بعض الزهور المتناثرة هنا وهناك..كان الطريق خاليًا إلا منها، التفتت يمنة ويسرى لتتأكد أنه لا أحد يشاركها نفس الطريق ولكن بلا جدوى، تلك الﭭيلا وذلك السور والظلام الدامس هم فقط ما يحيطون بها، دفعها الفضول لتتقدم أكثر نحو ذلك السور وتنظر من خلاله، كلما اقتربت أكثر ازدادت نبضات قلبها حدة وتصبب العرق على جبينها، وعلى بعد خطوات من ذلك السور وفي هذا الصمت المطبق ارتفع نباح كلب بصوتٍ عالٍ ليشق ذلك السكون ويقطعه.
ارتجفت وانتفض جسدها واستدارت مهرولة تحاول الإفلات من ذلك الصوت، وكما بدأ صوت نباح الكلب فجأة صمت فجأة، ليعم الهدوء والسكون المكان مرة أخرى، هنا وقفت حلم حائرة.. هل تكمل طريقها لاستكشاف المكان؟ أم تعود أدراجها مرة أخرى؟
ومن بقعة مظلمة خلف الأشجار، ومن وراء السور.. لمحت ذلك الظل بلا أي ملامح، وسمعت صوتًا يأتي من نفس المكان
يقول بصوتٍ مرتجﻒ: عودي إليَ.. لا تتركيني وحيدًا.. لا تتركيني.. عودي إليَ.
وبصرخة مدوية شقت ذلك السكون رددت حلم نفس الكلمة عدة مرات: لا.. لا.. لا قبل أن تتهاوى وتفقد كامل وعيها، وهي تراقب ذلك الظل يغادر عائدًا خلف الأشجار من حيث أتى
يتبع






































