في زاويةٍ ما من هذا العالم، حيث تنقل عدسات الكاميرات مشاهد الجرائم التي يندى لها الجبين ليلًا ونهارًا، حيث تتكدّس نشرات الأخبار بقصص ومآسي آلاف البشر، وحيث تراقب العيون القتل والتهجير والتدمير دون أن ترفّ جفن، خرجت "ورد" من بين الأنقاض والنيران... وحدها، تبكي.
تبكي موت الضمائر والإنسانية جمعاء.
كانت "ورد" تلتجئ إلى مدرسة قالت لها أمّها ذات يوم إنها مكان مقدّس، ملاذٌ للعلم والأمان. لكن حتى المدرسة أصبحت هدفًا؛ سقطت جدرانها، تفجرت نوافذها إلى شظايا، وتلاشى صوت الضحكات تحت دويّ القصف.
كان صوت الطائرات دومًا أعلى من بكاء الأطفال وأحلامهم.
نجَت "ورد"... لكنها فقدت كل شيء.
فقدت أمّها، إخوتها، مقعدها الدراسي، وألعابها الصغيرة.
فقدت حقها الطبيعي في الضحك، في الخوف من الظلام لا من ضوء القنابل، في الأمان لا في الذعر، في الطفولة لا في الرعب.
خرجت "ورد" من بين النيران، لكن النار لم تخرج من داخلها.
أيها العالم — يا من تسمّي نفسك حرًّا —
كم وردةً احترقت أمام أعينكم؟
كم طفلةً فُقدت عائلتها تحت سمعكم وبصركم؟
كم صوتًا خافتًا لطفلة صغيرة دفنتموه تحت ركام تصريحاتكم وتحليلات مصالحكم؟
"ورد" ليست مجرد طفلة نجَت من قصف.
"ورد" هي سؤال مُلح في وجه هذا العالم القبيح:
كيف نعيش نحن، بينما تُقتل الطفولة كل يوم؟
كيف نأكل ونشرب، نضحك ونُطعم أبناءنا ونراقبهم خوفًا عليهم، بينما أطفالٌ مثل "ورد" يُدفنون بلا كفن، بلا وداع؟
كيف نحيا في أمان، فيما تَقصف الطائراتُ المدارس والمستشفيات؟
أيها الضمير الإنساني،
لا تطلب من "ورد" أن تكبر وتنسى،
لا تُلقِ على كاهل طفولتها عبء النسيان والمُضي قدمًا.
بل انظر إليها، واجه معها الحقيقة، فسِّر لها لماذا تُغتال الطفولة… والعالم يصمت.
أيتها القلوب، إن كان ما زال هناك نبض…
أيتها الضمائر، إن بقي في هذا العالم ضمير…
افتحوا أعينكم ولو مرة، لا لترسموا خرائط جديدة بدماء البشر،
لا لتصنعوا حدودًا جديدة بعظام وجماجم الإنسان،
بل لتُبصروا طفلة تبحث عن أمها تحت الرماد.
"ورد" ما زالت حيّة،
لكن كل يوم يمرّ بلا عدل هو موت جديد لها، ولآلاف مثلها.
فهل في هذا العالم من يسمع؟
من يفيق؟
من ينقذ "ورد" قبل أن يطفئ الرماد آخر ضوء في قلبها؟
نعم، خرجت "ورد" من النيران التي كانت، بأمر الله، بردًا وسلامًا عليها،
لكن ما زالت هناك نيران تأكل الأخضر واليابس…
نيران الحقد والظلم، لا ماء في هذا العالم يطفئها، نيران القهر والفقد، لا ماء في هذا العالم يطفئها.
لا يطفئ هذه النيران سوى ضميرٍ يقظ لم يمت بعد.