يا لهذا الكائن العجيب!
يبني الحضارات، ثم يهدمها بيديه، يتحدث عن السلام، ثم يشعل الحروب بوقاحة لا متناهية ، يرفع شعارات الحب،لكنه أول من يغرس خنجر الخيانة في ظهر من وثق به.
أكرهه حين يبتسم بوجهك وهو يضمر لك الشر، يعدك بالوفاء وهو أول من ينسى، يرفعك بكلماته ليُسقطك بأفعاله.
أكرهه حين يجعل من الكذب عادة، ومن الغدر فضيلة، ومن القسوة أسلوب حياة.
أكرهه لأنه يهوى الدمار أكثر مما يحب البناء، يرقص على أنقاض من أسقطهم، ويتلذذ برؤية الضعيف يتعثر، يسير في الأرض كأنه سيدها، لكنه لا يدرك أنه مجرد عابر ستبتلعه التربة كما ابتلعت من قبله.
أكرهه لأنه يلهث وراء القوة، وحين يحصل عليها يزداد توحشًا، ينسى إنسانيته، يتجرد من الرحمة، ويتحول إلى آلة لا تعرف سوى البطش والاستغلال.
لأنه يتلون كالحرباء، ويدّعي الطهر وهو غارق في الوحل.
أكرهه لأنه يحب نفسه أكثر من أي شيء، حين يمنح، يمنح ليأخذ، وحين يساعد، يفعل ليُقال عنه كريم، لا شيء خالص، لا شيء صادق، كل شيء مشروط بمقابل، حتى المشاعر أصبحت سلعة.
أكرهه لأنه يحوّل الجمال إلى تجارة، والمشاعر إلى لعبة، والعلاقات إلى صفقات، الصدق أصبح لديه حماقة، والبراءة سذاجة، والعفوية قناع لا يليق بهذا العالم الممتلئ بالذئاب.
أكرهه لأنه يتظاهر بالفضيلة، لكنه أول من ينتهكها في الخفاء، يعظ بالأخلاق وهو أول من يدهسها، يطالب بالعدل وهو أول من يختلسه، يدعو للمحبة لكنه لا يعرف منها سوى اسمها.
أكرهه لأنه يغفر للمجرم لأنه قوي، ويجلد الضعيف لأنه لا سند له، ينظر للأمور بميزان مختل، فلا قيمة للحقيقة، بل لمن يملك الصوت الأعلى.
أكرهه… وأكره كراهيتي له، لأنها عبء، ولأنني أعلم، رغم كل هذا، أنني لا أستطيع الهروب منه… لأنني في النهاية، منه.