في مدينة كانت النوافذ تُغلق عند الغروب، ويفضل الناس الصمت، كانت هناك ظلال تسير بيننا، ترتدي أقنعة مألوفة ، لكنها تحمل شيئًا مريبًا خلف عيونها، لم يكن أحد يتحدث عن تلك الليالي التي تُطفأ فيها الأنوار قبل أن يحين وقت النوم، ولا عن الهمسات التي تخترق الجدران في وقت السكون.
في كل بيتٍ، هناك فتاة كانت تحب الضوء، ثم أصبحت تفضّل العتمة، كانت تضحك بصوت عالٍ، ثم تعلمت كيف تبتلع الضحكة دون أن تخنقها، لم تُكسر النوافذ، ولم تُفتح الأبواب بالقوة، لكن هناك شيئًا دخل، شيء سلب منها الأمان، وتركها تصحو كل ليلة كأنها في قاع بئر لا يرى أحد عمقه.
الوجوه كثيرة، والقصص متشابهة، كأن المدينة كلها تحفظ لحنًا واحدًا يُعزف على وتر مكسور، لا أحد يراه، لكنه يُسمع في خطوات المرتبكات، في نظرات الفاقدات لهنّ، في الفتيات اللاتي يمشين وكأن أجسادهن ليست لهنّ.
والمؤلم حقًا؟ أن الجُرح لا يُرى، ولا يُصدق، ولا يُحكى.
في عالم اعتاد أن يسأل: “ماذا كنتِ ترتدين؟”، بدلًا من أن يسأل: “لماذا فعل؟”، تبقى الحقيقة معلقة في حلق كل من نجت، تخشى النُطق بها لأن الصدى قد يرد عليها باللوم بدلًا من التعاطف.
لكننا نكتب، ونشهد، ونرسم الكلمات على الجدران، لعلها تضيء درب من لا زلن يخشين السير فيه، لأجل ضوء صغير، قد يُعيد لبعض القلوب شيئًا من دفئها المسلوب.