حسنًا.. أنتم تعلمون جيدًا سر تلك الطرقات المتلاحقة على زجاج النافذة من الخارج، ليست بفعل الرياح كما تدركون، ولا هي بفعل هؤلاء الصبية الذين يقطنون في نهاية الحي، فالبيت محاطٌ بسورٍ عالٍ كما نعلم، هو بالضبط ما تبادر إلى أذهانكم جميعًا وما خمنتموه، دعونا إذًا لا نهدر الوقت في تلك الترهات، يمكننا بدء الجلسة إذا ما تغاضينا عن ذلك الفحيح الحثيث الذي بدأ في الارتفاع شيئًا فشيئًا، يعلم أكثركم ها هنا أنه ليس بفحيحٍ على الإطلاق، وإنما هو صوت زوجي الراحل يتوعدني بالانتقام، أرى وجوهًا جديدة قد حضرت اليوم، لذا.. فلتسمحوا لي بدقيقة واحدة أقص عليهم فيها الأمر، لتلك الوجوه الجديدة أقول.. إني منذ عشر ليالٍ عدتُ من رحلة زيارتي لأمي المريضة في تلك المدينة الساحلية لأجده بين أحضان تلك المرأة الغريبة هنا على فراش الزوجية، تملكني الذهول وقتها وحولني إلى تمثالٍ من جليدٍ ملتهب، تسمرتُ في مكاني بينما أسرعت هي إلى ارتداء ملابسها في رهبةٍ لتلوذ بالفرار، سحابات الدموع تجمعت في عيني وأنجبت أمطارًا حمضية أحرقت قلبي بحمم سيلها، غشاوة تكونت هناك في محيط الرؤية بينما هو يجثو على ركبتيه يستحلفني أن أمنحه صك الغفران، صوته يأتيني من خلف جب الغدر مرددًا عبارة واحدة ظل يكررها على مسامعي مرات ومرات "أنا أستحق القتل.. أعلم أني أستحق القتل" كان يرتجف بينما يردد ذلك، وكأنه كان يدرك ما سيحدث من جراء ما أوكته يداه، احتلني الصمت للحظات ثم حسمتُ أمري وأسرعتُ باحتضانه قائلة:
- أعلم أنها نزوة وأنك لن تعود لتلك الفعلة مرة أخرى فأنت تحبني أنا.. أليس كذلك؟
هز رأسه غير مصدق لما يسمع، مر يومان وهو يسرف في تدليلي وأنا أتصنع التصديق، بينما عقلي معلقٌ هناك حيث ذلك الخبر الذي قرأته على الإنترنت منذ عدة أيامٍ على إحدى صفحات المنتديات الطبية، والذي يحذر من تناول شراب (الجريب فروت) مع أحد أدوية السعال المعروفة، لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى توقفٍ مفاجئٍ في عضلة القلب نتيجة لتفاعل ذلك الشراب مع أحد مكونات الدواء!! لم أكن متيقنة من حقيقة ما يزعمون ولكنني انتويت تجربة ذلك، لا سيما وهو مواظب على تناول هذا الشراب للحفاظ على وزنه كي يبدو جذابًا في نظر الأخريات، كما ترون فأنا لم أكن أنتوي قتله في حقيقة الأمر إن هي إلا تجربة قمتُ بها، كل ما هنالك فقط أن الحظ قد حالفني وقتها ونجحت، فلا أدري لم يفعل شبحه ذلك حقًا؟ أنُزِعتْ الرحمة من قلبه الميت أم ماذا؟
ثم إنه هو من أقر أنه يستحق القتل، كل ما فعلته فقط.. هو إنفاذ عدالة السماء فيه.
والآن بعد أن أصبحتم جميعكم تعلمون ما حدث، هلا دللتموني ما العمل مع ذلك الشيء المزعج الذي ما فتيء يطاردني في إصرار وكأنني مجرمة يبغي القصاص منها؟
إني أتعجب من أشباح هذه الأيام، فكم هي وقحة حقًا!!
أين نحن من ذلك الزمن الجميل حين كان الواحد منا يقتل جيشًا جرارًا بأكمله ثم ينام قرير العين غير عابئٍ بشيء.
يبدو أنه لا مكان للأنقياء أمثالنا في هذا العالم..
ألا تبًا.





































