في زوايا الإنترنت حيث تختلط الحقيقة بالوهم وتذوب الحدود بين الصدق والكذب، ظهر شبح جديد لا يُرى ولا يُسمع، لكنه يعرف كيف يتسلل إلى الأرواح المنهكة في لحظة ضعف. كان ذلك الشبح رجلاً يُدعى الكوتش أحمد، ادعى أنه معالج نفسي متخصص في مساعدة أصحاب الاضطرابات والضغوط النفسية، نشر منشوراته بلغة مطمئنة وكلمات تنزف دفئاً كأنها دواء للروح. لم يكن أحد يدرك أن تلك الكلمات كانت شِراكاً ناعمة يصطاد بها فريسته القادمة.
كانت سارة فتاةً طيبة القلب، أنهكها الحزن وصمت الوحدة، فوجدت في منشوراته ملاذاً يُشبه الضوء في آخر النفق. تواصلت معه بحثاً عن راحةٍ لروحها، فاستقبلها بترحابٍ مبالغٍ فيه وأظهر فهماً عميقاً لمعاناتها حتى كسب ثقتها بالكامل. شيئاً فشيئاً صار يسألها عن تفاصيل حياتها وعن أسرارها التي لم تُبح بها حتى لأقرب الناس إليها. كانت تظن أنه يريد مساعدتها، ولم تكن تعلم أنه يجمع الخيوط ليخنقها بها لاحقاً.
بعد أسابيع، انقلب الهدوء إلى رعب. جاءها حساب جديد يحمل صور محادثاتها ورسائلها الخاصة. الرسالة كانت صادمة: ادفعي وإلا فضحتك أمام الجميع. ارتجفت يداها وعمّها الذهول. كانت تخشى والدها الصارم وغضب عائلتها، فاختارت أن تدفع لتشتري صمت المبتز. باعت حليها وهاتفها وبعض مقتنياتها الثمينة، وكلما دفعت عاد يطالب بالمزيد. ومع الوقت نفد كل ما تملك، فبدأ يطالبها بلقاءٍ خاص، يدعي أنه أحبها وأنه يريد أن يعيد لها ما أخذ منها بشرط أن تراه. كانت كلماته مزيجاً من التهديد والعاطفة المزيفة، لكنها كانت تشعر أن وراءها فخاً لا نجاة منه.
في لحظة وعيٍ أخيرة قررت سارة أن لا تسقط أكثر. لجأت إلى ابنة خالتها مريم، وانهارت بين يديها حكاية كاملة من الخداع والابتزاز. مريم، التي كانت مخطوبة لضابط شرطة يُدعى طه، لم تتردد لحظة في نقل الأمر إليه. جلس طه يستمع بهدوء ثم قال بثقة، سنصطاده بسلاحه. أنشأ حساباً جديداً لشخصية وهمية تشبه سارة في معاناتها، وبدأ يتواصل مع ذلك المعالج المزعوم. لم تمضِ أيام حتى انكشف اللثام، فالمحتال وقع في الفخ ذاته الذي نصبه لضحاياه.
بعملية دقيقة تمكن طه وفرقته من تتبّع مصدر الحساب والوصول إلى المجرم الحقيقي الذي لم يكن سوى شاب متقن للتلاعب النفسي، استغل حاجة الناس إلى الدعم ليحولها إلى وسيلة للابتزاز والربح الحرام. اعتُقل وأُغلق كل ما يملكه من حسابات مزيفة كانت تضم عشرات الضحايا.
أما سارة فقد خرجت من التجربة مثخنة بالوجع لكنها أكثر وعياً. أدركت أن بعض الوجوه المبتسمة خلف الشاشات لا تُضيء الطريق بل تجر إلى الظلام، وأن الشفاء لا يُطلب في الخفاء، وأن أقنعة الإنترنت قد تخفي وحوشاً تتغذى على الثقة والبساطة. لقد كان شبح الإنترنت حقيقياً، لا لأنه كائن غيبي، بل لأنه يعيش بيننا، يختبئ خلف الأسماء المستعارة ويصطاد الأرواح التي تبحث عن دفءٍ في عالمٍ بارد.








































