دعني أقول لك شيئًا قد لا يعني لكثيرين شيئًا…
لكنّه بالنسبة لي اعترافٌ تأخّر سنوات،
حملته وحدي في صدري حتى صارت روحي تمشي مثقلة، كأنها تحمل حكاية لا تجد من يفهم عمقها.
أنا فقط… أريد أن أتحرر من هذا اللوم الذي يلاحقني كلّما أغلقتُ بابًا خلفي، ذلك الصوت الذي يهمس في داخلي بأنني كان يجب أن أقاتل أكثر…
أن أتشبّث أكثر…
أن أكون شيئًا آخر غير هذا الذي كنتُه.
لكنني—ولأول مرة—أجرؤ على أن أقولها بصوتٍ لا يرتجف:
أنا لست نادمًا على ما كان، ولا على ما سيكون.
لست نادمًا لأنني لم أكن يومًا رجلًا يترك الأمور تسقط من بين يديه دون محاولة.
لست نادمًا لأنني قدّمت قلبي حين كان يجب أن أقدمه، ووقفت حيث ظننت أن الوقوف صواب، وحملت ما لم يكن واجبًا عليّ حمله،
فقط كي لا أشعر أنني قصّرت في حق أحد.
أعرف أنني لم أبخل بشيء، لم أتراجع يومًا حين كان يجب أن أتقدم، ولم أهرب حين كان الجميع يختبئون خلف أعذارهم.
أعرف أنني فعلت كل ما أستطيع…
وحتى ما لم أستطع، ومدَدت قلبي إلى أبعد مما يبلغه صبري.
ومع ذلك…
لم تكن تلك الفرصة الضئيلة، الفرصة التي تشبه ضوءًا خافتًا في آخر نفق طويل، احتمالها واحد في المليون…
لم تكن من نصيبي.
لم تُخلق لي، ولم تُكتب باسمي، وربما كان القدر أرحم بي مما كنت أتخيل وأنا أحاول التمسك بها.
لكنني حاولت…
وهذه الكلمة وحدها تحمل ما يكفي من الألم…
ألم التجربة التي لم تثمر.
ألم الصبر الذي طال.
ألم الخيبة التي جاءت بعد أن وضعت قلبي على الطاولة دون خوف.
وأعترف…
أن التعب علّمني وجعًا لم أكن أعرفه،
وأن الطريق الذي مشيته لم يكن سهلًا،
وأن خساراتي لم تكن خفيفة كما ظنّ البعض.
لكن رغم كل هذا…
رغم ما انكسر داخلي، ورغم كل شيء لم يعد كما كان، أنا اليوم أقف أقوى مما توقعت.
لأنني أدركت—بعد كل ما مضى—
أنني لم أخسر نفسي، وأن محاولتي كانت فعل شجاعة، وليست سقوطًا.
وأن القلب الذي يبذل خيره…
لا يُحاسَب على النتيجة، بل على صدقه.
ولهذا…
ها أنا أرفع رأسي بثقل التجربة، لا بخفّة الهروب.
وأقف على قدميّ لا لأن الطريق سهل،
بل لأنني لم أعد أخشى السير فيه وحدي.
وفي النهاية…
إن كان هناك ما أستطيع قوله بثبات رجل يعرف قيمته الآن فهو:
أنا لم أندم…
وأنا لم أتراجع…
وأنا—رغم الألم—ما زلت واقفًا.
وهذه وحدها…
تكفيني.






































