احتضن مكتبه بكل ما يحتويه من ملفات وأوراق يتأمله عن كثب ويستنشق غبار التراب المتراكم عليه ويميل برأسه محدقا بعينيه من خلف نظارته القديمة التي يداعبها بسبابته من الحين إلى الحين لردها إلى موضعها فوق منخاره يستجدي ذكرياته في أروقة المحاكم وصولاته وجولاته عندما كان محاميا بارزا يشار إليه بالبنان ويتنهد بزفير مستعر بلهيب الشوق إلى ممارسة مهنته التي عشقها ورغبها بكل جوارحه متناولا روب المحاماة يتفقد معانيه التائه في زحمة وظيفته الجديدة كمعالج روحاني اقتحم العالم غير المرئي كي يركن إليه ربما تجري على يديه أمور خارقة للعادة هذه حقيقة غايته ومنتهى أمله يود أن يكون صاحب خدمات روحانية تطيعه حيث يأمر وتنتهي حيث يزجر الأمر الذي جعل عقله يجترئ عليه ويسول له روب المحاماة الذي بين يديه في صفته الاعتبارية يرفع الظلم ويميط الأذى يكافئ المسبحة والخاتم والطلسم كذلك يرفع الظلم ويميط الأذى ويعد ذلك عزاءه الوحيد لامتهان وظيفته الجديدة وكان له حظا من اسمه فكان يدعى فارسا وكان عاشقا للمبارزة.
وذات يوم أقبلت عليه امرأة في عقدها الثالث تتمتع بقدر بسيط من الجمال ولكنها كالمغناطيس حجر أصم ولكنه ذات جاذبية كأنها روح خفية تخطف الأبصار وتمد أحبالا من الوصل لا يستطيع أحدا أن يقطعها أقبلت تجادله في أمرها وتشتكي حالها أرملة منذ ثلاث حيضات ودفء زوجها لم يفارق فراشها يجامعها كل ليلة في منامها وفي كل صباح وبعد أن تتم غسلها وتتهيأ لارتداء ملابسها تلمس أثار الجماع جلية في مواضع الاثارة بجسدها فتعمد إلى المرآة وتطيل النظر في مفاتنها وما لحق بها من بصمات المداعبة وهي تقاوم تلك الخواطر التي تراودها وتتكالب عليها في يقظتها وفي منامها فتغلبها المتعة فتشتهيها واقعا يتغشاها وكأن الزمان رجع بها إلى الوراء كرتين يوم كانت حديثة عهد بالحيض ولم يقتصر الأمر على كونه أضغاث أحلام بل استحال إلى واقع على هيئة خيال باهت ثم يزداد وضوحا ويصبح رجلا حنطي البشرة مفتول العضلات عاريا لا يواري بشرته ثوب ينفذ من المرآة ويثب عليها ويرتشف منها القبلات وتتأمله وهو يسبح في بحر شهوتها المتلاطم الأمواج وبعد أن كانت في أول الأمر تقاومه أصبحت تبادله في أفعاله وانفعالاته وتهمس في أذنه:
ـ أحبك
تسمع صداها عندما يهمس هو الاخر في أذنيها:
ـ أحبك
ثم يجذبها ويأوي بها إلى الفراش ويضاجعها مضاجعة زوجين حديث عهد بالزواج شهوة لا تنقطع ونار لا يطفئها نصب ويندلع بداخلها صراع بين القوتين العظيمتين في هذه الحياة قوة الخير التي هي أصل الحياة وقوة الشر التي هي دخيلة على هذه الحياة الحرام والحلال وتطفح أثاره جلية على سلوكياتها فتارة تصرح بأنها مريضة وتبوح بأن جن يعترضها وتارة تخفي ما بها وتستمر في ممارسة الرذيلة مع الجن العاشق الذي لا يكاد يفارقها بمحض ارادتها وأحيانا يحتال عليها بغير رغبة منها ,وكانت كثيرا ما تداعب مفاتنها أمام المرآة وتدير عدة مسائل بمخيلتها هذا الشباب الذي يبق حيوية ونضارة أيوسد في لحد زوجها أم تقضي عمرها راهبة تجافي الرجال أو أنها تفر إلى منامها وتأوي إليه كجنة تطردها منها اليقظة أم ماذا عليها أن تفعل فالزوج ابن عمها ورفيق طفولتها وحب عمرها ولا مناص من أن تعتنق الوفاء وتتحلى بالصبر وترقب الايام عدا إلى أن تفتر شهوتها وتنطفئ جزوتها ولكن كانتا دائما تتشاجرا نفسيها الامارة واللوامة الى أن غلبت النفس الامارة وفرحت اللوامة واتخذت قرارا بدحر الجن العاشق والتخلص منه رغم أن العاشق الولهان كان حريصا على تلبية كافة رغباتها ومتطلباتها معنويا وماديا عينية ومنقولة وكأنه مصباح علاء الدين أو الفانوس السحري
وأنصت إليها فارس باهتمام وعيناه تطلع إلي المزيد من الاثارة والتشوق فحديثها جعله يسبح في عالم من الخيال كاد أن يطرق أبواب الواقع فانتبه وعمد إلى الوقوف في بطء شديد وكأن شيئا أثقله فنزع حاله من بين كرسيه ومكتبه وترجل باحتراز شديد نحو المرأة المتكئت على الكرسي المقابل لمكتبه تاركا نظارته فوق أغراضه على المكتب وأخذ يهندم حاله وهو يتأمل بطنه المتدلاة أمامه وكأنه يحملها بيديه واستقام بجوار المرأة وانحنى عليها قليلا إلى أن أصبح فيه بمحاذاة أذنها وشرع يتعوذ من الشيطان ونفثه وروعه ويقرأ الرقية وهو ممسكا ناصيتها بإصبعية السبابة والابهام ولم يلبث أن تغشاها الجن العاشق واستولى على جوارحها ونطق بلسانها بصوت أجهش بالبكاء:
ـ لن أتركها فهي لي
ولم يفتر الجن العاشق يصرخ ويردد هي لي لن أتركها في حين استمر فارس في قراءته للرقية بنبرة أقوى مما بدأ بها وأخذ ينفث في وجه المرأة فيصيب وجهها رذاذه المتناثر كحمم سقطت من جهنم فيصرخ الجن العاشق ويستغيث وتظهر أثار الرذاذ على وجه المرأة على شكل حبيبات حمراء شديدة الالتهاب وشعر فارس بأنها أرهق المرأة كثيرا وأعيتها الرقية فأراد أن يمهلها قسطا من الراحة تسترد فيها عافيتها ثم يستأنف العلاج ولكن قبل أن يتوقف عن القراءة لاحظ أمرا عجيبا أومأ إليه الجن العاشق مستخدما سبابة المرأة بحركة لا ارادية منها عملات مالية ورقية من فئات مختلفة أقل فئة خمسون جنيها تتزاحم فوق سطح مكتبه وفي هذه الأثناء استردت المرأة وعيها وحررت جوارحها وزاغت عيني فارس وجالت تحصي العملات الورقية بالتقريب ويتمتم قائلا:
ـ عفريت ثري حوالي مائة ألف جنيه في لمح البصر
وأخذ فارس يجمع الأموال ثم أودعها في عبوة من الورق المقوى وأحكم غلقها ثم صوب نحو المرأة نظرات حداد:
ـ أيتها السيدة أنت تملكين مصباح علاء الدين
ـ بل هو الذي يملكني
ـ سأطلقك منه طلقة بائنة
ـ أريد حريتي
ـ الان
قال فارس ذلك ثم عمد مرة أخرى إلى القراءة وتوالت الكلمات من فيه وكأنها سوط يجلد جسدها فتنطلق الصيحات في محاولة لتقليل وطئة الجلد ولم يلبث هكذا صوت يرتل ممزوجا بصرخات حررها الألم إلى أن اندلعت النار في العبوة الحاوية للعملات المالية فاكلت كل ما فيها من مال ولم تمس العبوة الحاوية بسوء فأصبح المال بداخل العبوة كومة من رماد وعادت المرأة إلى سيرتها الأولى هادئة مطمئنة وهنا تبسم فارس ضاحكا ثم قال:
ـ اشتد عليه الوجد فاستسلم فاغتالته كلماتي دون أن يبدي أدنى مقاومة