التقيتها صدفه بنفس الطائرة التي حملتني في رحلة العودة إلى أرض الوطن. . كانت تخرج منها الكلمات بكل ثقة وثبات
إنها مريم طالبتي النجيبة، المحبة للعلم، طوال سنوات دراستها بالجامعة كانت دائما متميزة ومتفوقة في ذات الوقت. .
حين سألتها عن أخبارها، حكت لي وكأنها تصف أعظم انتصاراتها. .
لقد أصبحت أم. .
توقعت أن تتفاخر بدرجة علمية أو منصب كبير لكن إجابتها أثارت دهشتي. .
لذا فضلت عدم المقاطعة والإنصات لها. .
قالت: إنها قصه طويلة، فقد تزوجت بعد تخرجي من الجامعة مباشرة وسافرت مع زوجي إلي إحدى البلاد العربية. .
وهناك عانيت من الوحدة حيث تأخرت عملية الإنجاب، واجمع الأطباء على أن حالتي نادرة واحتمال حدوث الحمل لا يتعدى الأرقام الأحادية في المئة. .
استسلمت لقدري فقد كنت أعلم جيدا أن هناك أقدار كتبت على الإنسان منذ يوم مولده، لا مفر منها ولا نجاة. .
حتى كان هذا اليوم الذي سمعت حديث الشيخ الشعراوي -رحمه الله- عليه، حين كان يحكي عن أن الدعاء يغير القدر.
وروي أنَّ امرأةً جاءت إلى كَليم الله موسى -عليه السلام- تقول له: يا كليمَ الله، ادعُ لي ربَّك أن يرزقني الذريَّة، فدعا موسى، فقال الله تعالى: يا موسى، إنِّي كتبتُها عقيمًا، فأخبرها أنَّ الله يقول: إنِّي كتبتها عقيمًا، فانصرفَت، فجاءَته بعد عامٍ وقالت: يا كليمَ الله، ادعُ لي ربَّك أن يرزقَني الذريَّةَ، فدعا موسى، فقال الله جلَّ علاه: يا موسى، إنِّي كتبتُها عقيمًا، فأخبرها أنَّ الله يقول: إنِّي كتبتُها عقيمًا، فجاءَته في العام الثالث ومعها رَضيع، فقال لها موسى: أهو ولدكِ؟
قالت: نعم، فناجى موسى ربَّه وقال: يا رب، هذه المرأة كُتبَت عقيمًا، فكيف يكون لها ولد؟ فقال الله: يا موسى، إنِّي كلَّما كتبتُ عقيمًا، قالت: يا رحيم، ورَحمتي وسِعَت كلَّ شيء وسبَقَت.
وشعرت أنها إشارة من الله -سبحانه وتعالى- فعقدت النية وبكل خشوع سألت الله الذرية وصليت صلاة التسابيح وكلي رغبة صادقة في أن أنال رضا الله -سبحانه وتعالى- وأن يغفر الله لي أي ذنب يحول بيني وبين مطلبي. .
وكان لي ما أردت والحمد لله.
حكي لي زوجي أنه حين خرج الطبيب من غرفة الولادة، نظر إليه وقد بدا عليه القلق، فأسرع إليه يستفسر فأخبره بكل هدوء ورزانة أني قد أنجبت له ثلاث بنات، وانتظر بقلق بالغ ردة فعله. .
دمعت عين زوجي وأخذ يهلل ويكبر ثم سجد شكرا لله، نظر إليه الطبيب متعجبا وقال له إن مساعده رفض أن يخرج ويقول له الخبر خوفا من ردة فعله. .
فقام ونظر إلى الطبيب وقال له:
إن الله قدر هذا والله كفيل به. . .
وسأله ألم بسمع يوما ما رواه الترمذي، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «مَن كان له ثلاثُ بناتٍ أو ثلاثُ أخَوات، أو ابنتان أو أُختان، فأحسَن صُحبتَهنَّ واتَّقى اللهَ فيهنَّ فَلَهُ الجنَّةَ».
هكذا شعرت بعد أن استمعت إلى تجربتها أنه وفي اللحظة التي يتخلى فيها عنك كل شيء وتبقي وحيدا وتشعر أنك علي شفا جرف هار، وتجد أنك فقدت توازنك .
ولكن عناية الله تمتد إليك لتحميك من ضعفك وانهزامك ليتحول المشهد إلي صالحك
وتصبح لحظة الانكسار شيء معاكس تماما وتأتي بشائر انتصارك. .
الغريب أنه في أصعب اللحظات يبقي ذلك الشيء النابض في داخلك هو ما يجعلك تتشبث بالأمل رغم أن كل شيء حولك ينبئ بالهزيمة لكنك تظل مقتنع أن شيء ما سيحدث ويغير كل المقدرات إلي صالحك، وأنك سوف تنجو لا محالة
وكسؤال يلح أود أن اعرف إجابته بماذا اسميتهنن ! !
قالت أسميتهن خشوع وتسابيح وغفران. .
وأسأل الله أن يعينني على تربيتهن والإحسان لهن لتكونن ستر لي ولوالدهم من النار..