نتصادف في حياتنا اليومية بنماذج مختلفة من البشر ، لكن مايثير دهشتي في أغلب الأحيان هو تلقائية تلك الشخوص في سرد مشاعرهم والتعبير عنها بكلمات قد تبدو للوهلة الاولي عند سماعها انها بسيطة ولكنها في حقيقة الأمر تحمل معاني فلسفية عميقة ..
كتلك السيدة التي تعافت منذ وقت قريب من مرض العصر كوفيد 19 الكورونا اللعين ..
واعتبرت علي حد قولها ان هذا المرض افضل ماحدث لها علي الإطلاق وانه لولاه لما كانت عرفت المعني العميق و الخفي لما نسميه الحب ..
قالت لي وعلامات الدهشة كانت لاتزال ترتسم علي وجهي اثر وقع كلماتها على نفسي
" هكذا يكون الحب في زمن الكورونا "
ثم بدأت في سرد حكايتها من دون مقدمات بقولها :
حكايتي لم تبدأ الأن ولكنها رسمت خطوطها العريضة منذ أعوام ..
تزوجت وكنت وقتها الابنه المدلله عند ابيها من رجل كان كل مميزاته بالنسبة لي ان والدي قال عنه انه الزوج المناسب لي ، وترك لي الأمر واتخاذ القرار ..
وتم الزواج بعد أن أعلنت موافقتي علي الرغم من أنه لم يكن الافضل من وجهه نظري ولكن كنت اثق في اختيارات والدي ..
مرت بيننا الأعوام وتوالت وكنت دوما أري فيه صورة الزوج كما يجب ان يكون ، فهو شخص يستحق كل التقدير والإحترام .
ولكن شعورا ما كان يسيطر على تفكيري ان هناك شيء ما بيننا غير مكتمل كقطعة بازل فقدت او ربما لم تكن موجودة من الاساس وبغيابها ظلت الصورة ناقصة ..
منذ أن تزوجته وفي يومنا الأول عاملني وكأني أميرة ، رفض ان أدخل بيتي سائرة بل اصر علي حملي وهمس لي
" الأميرات لاتدخل القصور سائرة بل تدخل محمولة "
مرت بيننا السنين بعدها اذاقتنا الحياة من حلوها تارة ومن مرها تارة اخري حتي أني نسيت أمر قطعة البازل الغير مكتملة ..
عشنا حياة مستقرة ، حتي كان ذلك اليوم الذي اصابتني وعكة صحية ..
ظهرت في البداية علي انها اعراض انفلونزا عادية ، لكن الحقيقة أني قد اصبت بفيروس كورونا ، وكان من الطبيعي أخذ التدابير الإحترازية اللازمة بأن يتم عزلي في غرفتي ..
أذكر يومها اني بكيت وانا اصلي لا خوفا من المرض ولا خوفا من الموت ولكن الشيء الوحيد الذي أبكاني حينها وهمست به لربي وانا ساجدة هل استحق ان تكون نهايتي ان يصلي عليا صلاة الغائب ؟!!
اي ذنب هذا الذي سيحرمني من وداع يليق بسيرتي الطيبة ؟!!
وبكيت ودعوت الله الا تكون تلك هي نهايتي ، وحيدة منبوذة في غرفة يخشي ان يقترب مني أحد ..
وفوچئت بزوجي يدخل غرفتي ويرفض ان يغادرها وكان يمرضني ويهتم بمواعيد دوائي وكان يصر أن يطعمني ، حتي انه كان ينام إلي جواري ، يتحسس جبهتي ليعرف هل ارتفعت حرارتي من جديد .
وكنت كلما سألته ألا تخاف ان تصاب مثلي كان يقول :
" ان هذا الفيروس جند من جنود الله نزل ليحصد من يحصد ويصيب من يصيب ويتجنب من لم يذكر اسمه "
وكان و الحمد لله من هؤلاء الذين لم يذكر اسمه ولم يصيبه المرض
بعد تمام الشفاء تمعنت في حياتي منذ بداياتها إلي ما وصلت إليه لأجد ان الصورة قد اكتملت ..
لقد عثرت علي قطعة البازل لم تكن غائبة بل كانت موجودة طوال الوقت ولكن انا بضيق افقي لم الاحظها ..
لأنها ظلت مختبأة وكأنها لا تظهر الا وقت الحاجة ..
ادركت ان الله سبحانه وتعالى حين قال في محكم آياته ..
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21 ] صدق الله العظيم
وضع دستور الحياة الزوجية، وان الحب ليس هو الأساس وإلا كان جل وعلا قد ذكره ولكنه يكمن في المودة والرحمة ، وهنا كان المعني الحقيقي للحب ..
حتي اني أدركت شيء آخر أعمق وهو وجوب التأدب عند البلاء ..